ليلى بيومي
تصدير المادة
المشاهدات : 3413
شـــــارك المادة
يومًا بعد يوم، تتعقد الأوضاع في سوريا، وتدخل الثورة الشامية الكبرى في منعطف أكثر خطورة. فالرئيس المجرم ونظامه الفاشي أصبحوا يعتمدون بشكل كلي على الغطاء السياسي والدبلوماسي والعسكري الروسي، وكذلك على الدعم اللوجستي الهائل من إيران، لكي يواجهوا الحصار العربي والدولي الخانق على نظام بشار البعثي.
ولأن المجرم بشار وزبانيته قد تأكدوا من أن أمامهم مساحة واسعة للحركة، وأن الفيتو الروسي الصيني في مجلس الأمن يحميهم من خطر السقوط والاقتلاع، فقد عاثوا في سوريا فسادًا وقتلًا وتدميرًا وحصارًا، بعد أن أمِنوا الحساب والمساءلة. وها هي نافي بيلاي مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان تتهم قائد المجرمين وزبانيته بشن "هجوم دون تمييز" على المدنيين لإنهاء الثورة المشتعلة ضده. لم يعد خفيًا أن فشل مجلس الأمن في الاتفاق على تحرك جماعي صارم زاد النظام البعثي جرأة لشن هجوم شامل في محاولة لسحق المعارضة باستخدام القوة الهائلة التي يملكها، في مواجهة شعب أعزل لا يملك إلا حناجره ولافتاته المطالبة بالحرية. وما يحدث من استهداف مستمر لمدينة "حمص"، وقصف أحيائها الكثيفة سكانيًا دون تمييز، بالدبابات وقذائف المورتر، وكذلك الحال في مدن سورية عدة، إنما هي حرب قذرة سيدفع النظام البعثي الفاشي ثمنها، إن آجلًا أو عاجلًا. فما أغبى الفاشيين والمجرمين! إنهم إلى الآن وبعد مرور أحد عشر شهرًا من الثورة السورية الكبرى، يتصورون أن بإمكانهم هزيمة الثورة والرجوع إلى المربع رقم واحد، وإعادة عقارب الساعة إلى الوراء. وهم لا يعرفون أن الإنسان ربما يعادي إنسانًا آخر طوال عمره لأنه سبه ذات مرة أو أهانه، فما بالنا إذا كان غالبية السوريين الآن قد أصبح لهم ثأر شخصي وقومي مع المجرم بشار وكامل نظامه، بعد أن ولغوا في دماء السوريين وقتلوا الأطفال والنساء والشيوخ والشباب العزل. فقرابة عام كامل من القمع والهمجية والدماء التي تنهمر شلالات في كل مكان من سوريا، معناه أن ثأر الشعب السوري أصبح كبيرًا جدًا، والتاريخ يؤكد لنا أن الشعوب هي التي تغلب في نهاية الأمر، وأن الإجرام السلطوي نهايته إلى زوال. وإذا كان بشار المجرم ونظامه لم يعتبروا من نهاية أمثالهم من طواغيت العرب -ابن علي ومبارك والقذافي وعلي عبد الله صالح-، فإن الخلل هنا يكون في الوعي والإدراك، فالظلم والجبروت يجعلان الإنسان بهيمًا لا يكاد يفهم ولا يكاد يعتبر. إذا استمر هذا الغباء المنهجي المنظم من النظام البعثي المجرم ورئيسه، فسوف يحاول السوريون أن يحموا أنفسهم من القتل بأي صورة، وسوف يحاولون التسلح بما أمكن من الأسلحة، وسوف يجدون جهات كثيرة تسهل لهم ذلك، وأهمها الدول التي فشلت في إدانة النظام البعثي المجرم ورئيسه في مجلس الأمن، وساعتها لن يكون الثوار السوريون هم من اتجهوا بالبلاد إلى الحرب الأهلية، وإنما سيكون النظام البعثي الفاشي هو المسئول. مع استمرار الغباء السياسي لنظام البعث، ومع استمرار سياسات القتل والتدمير، سيزيد حجم وأعداد "الجيش السوري الحر"، الذي يقود المعارضة المسلحة، وسوف يكون قادرًا، ولو جزئيًا، على إيقاف آلة البعث الدموية وعلى إنزال الخسائر بقوات البعث، وعلى إيلام النظام القمعي. ولذا؛ فإنه لم يكن غريبًا أن تقول مفوضة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أنها تسعى إلى إحالة الملف السوري إلى المحكمة الجنائية الدولية، وهي تعتبر أن عمليات القتل في سوريا، قد ترقى إلى مرتبة "جرائم ضد الإنسانية"، وتحذر من أن عجز مجلس الأمن عن اتخاذ إجراء ضد المجرم بشار، سوف يدفع دمشق إلى المزيد من سفك الدماء وقتل الأبرياء. وإذا كانت الجامعة العربية قد اقترحت، بعد أن تيقنت من عجزها عن تحقيق أية حماية للمدنيين السوريين، إرسال قوة عربية دولية إلى سوريا، بعد أن قررت في وقت سابق إنهاء مهمة بعثة المراقبين العرب في سوريا، ودعوة مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قرار لتشكيل قوات حفظ سلام عربية أممية مشتركة للمراقبة والتحقق من انتهاء وقف إطلاق النار في سوريا، فإن هناك صعوبات كثيرة في هذا الملف، فقبل كل شيء ينبغي صدور قرار جديد من مجلس الأمن الدولي، وهو أمر ليس مستحيلًا وإن كان صعبًا. ولعل كثيرًا من الناس لا يعرفون سر الدعم الروسي الكبير للنظام البعثي السوري، فالمصالح الروسية في سوريا كبيرة ومتعددة، وهي ذات طبيعة سياسية إستراتيجية وعسكرية واقتصادية، وأهم هذه المصالح هي الاحتفاظ بالقاعدة العسكرية الروسية في ميناء طرطوس، حيث تعد هذه القاعدة البحرية العسكرية آخر موقع بحري لأسطول روسيا بمنطقة البحر الأبيض المتوسط، وتُعتبر مرفقًا روسيًا إستراتيجيًا طويل الأمد. وتسعى روسيا إلى توسيع وتطوير هذه القاعدة حتى تزيد من حضورها في البحر المتوسط، في الوقت الذي تخطط فيه واشنطن لنشر درع صاروخية في بولندا. وقد وافق الديكتاتور السوري عام 2008م على تحويل ميناء طرطوس إلى قاعدة ثابتة للسفن النووية الروسية في الشرق الأوسط. قامت روسيا عام 2006م بشطب أكثر من عشرة مليارات دولار من ديونها على دمشق التي كانت تبلغ 13.4مليار دولار من الفترة السوفيتية، وأصبحت موسكو منذ تاريخ شطب حوالي ثلاثة أرباع دينها على دمشق، المورد الرئيس لسوريا بالأسلحة. وذهبت سوريا خلال السنوات القلية الماضية إلى روسيا للحصول على أسلحة حديثة تشمل الكثير من نظم الصواريخ المضادة للدبابات والطائرات، والتي من شأنها تحسين قدراتها القتالية. وبلغت قيمة عقود سوريا مع روسيا عام 2011م أربعة مليارات دولار؛ حيث تحتل سوريا المرتبة السابعة في ترتيب الدول التي تشتري أسلحة من روسيا. وبلغت استثمارات روسيا في سوريا عام 2009م حوالي عشرين مليار دولار. وأهم المجالات الاقتصادية المدنية التي تخدم المصالح الروسية في سوريا هي مجال التنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما، كما تشارك الشركات الروسية في تنفيذ مشروعات أخرى في مجال الطاقة بما في ذلك الخطط التي أعلنتها شركة روساتوم الروسية في 2010م لبناء أول مفاعل لإنتاج الطاقة النووية، وتشارك شركات روسية في مشروعات للري بسوريا، كما تلعب شركات التصنيع الروسية أيضا دورًا في الاقتصاد السوري. يرى الروس أن الدافع الحقيقي وراء ضغوط الغرب على دمشق هو تجريد طهران من حليفتها الوحيدة في المنطقة. كما يرون أن تركيا بطموحات الإمبراطورية العثمانية الجديدة تلعب هي الأخرى دورًا في الأزمة. غير أن أخوف ما يخافه الروس هو أن تشن إسرائيل هجومًا على إيران فتجر معها الولايات المتحدة لتضطرم نيران حرب كبرى في وقت ما من العام الجاري. وربما يرى البعض دافعًا آخر وراء وقوف موسكو مع الديكتاتور السوري المجرم، فبعد أن فقدت روسيا أربعة مليارات من الدولارات من مبيعات السلاح وعقود أخرى مع ليبيا، مع احتمال أن تفقد مبلغًا مماثلًا من تجارتها مع سوريا، فإنه ليس أمام موسكو من خيار سوى تبني موقف متشدد من الأزمة. وحسب النصائح الروسية للديكتاتور السوري، فإن المجرم بشار أصدر في 16 أكتوبر من العام الماضي، قرارًا جمهوريًا بتشكيل اللجنة الوطنية لإعداد مشروع دستور لسوريا، على أن تنهي اللجنة عملها خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر اعتبارًا من تاريخ صدور القرار، وهي المدة التي استغرقتها بالفعل اللجنة المذكورة، وأعلن المجرم أن الاستفتاء على الدستور خلال أيام قليلة. يعتبر الرئيس البعثي المجرم أنه حالما يتم إقرار الدستور، تكون سوريا قد قطعت الشوط الأهم، ألا وهو وضع البنية القانونية والدستورية، عبر ما تم إقراره من إصلاحات وقوانين، إضافة إلى الدستور الجديد، للانتقال بالبلاد إلى حقبة جديدة. وهذا منتهى الاستخفاف والعبث والتسطيح، فالدستور غالبًا لا يكتب إلا في أعقاب ثورة، لأن قوى الشعب الحية هي التي تضعه، ولا يضع الدستور أبدًا رئيس مجرم، نيابة عن الشعب، ومعه مساعدوه ومستشارو السوء وترزية القوانين. فهل يعقل أن القاتل والمجرم هو الذي يكتب الدستور ويعطيه هدية للشعب السوري، ليؤكد فيه على حرية السوريين في التظاهر والتعبير والصحافة... الخ؟ إلى متى يستمر الضحك على الذقون والعقول؟ وهل يستطيع الرئيس المجرم أن يضحك على السوريين بأن يكتب في الدستور أن النظام السياسي للدولة يقوم على مبدأ التعددية السياسية، وتتم ممارسة السلطة ديمقراطيًا عبر الاقتراع، وتسهم الأحزاب السياسية المرخصة والتجمعات السياسية الانتخابية في الحياة السياسية الوطنية، فيما يعد إلغاء المادة الثامنة من الدستور القديم، الذي كان ينص على قيادة حزب البعث لكل من الدولة والمجتمع معًا، وقيادته لما يسمّى الجبهة الوطنية التقدمية، هل يستطيع الديكتاتور بهذه المبادئ الدستورية، المشكوك في تطبيقها، أن يجعل السوريين ينهون ثورتهم وينسون شهداءهم ومصابيهم، من أجل كلمات يجيد التلاعب بها؟ الدستور ليس كلامًا، ولكنه معانٍ يتم تأكيدها بالتطبيق والممارسة على أرض الواقع، فقد يستطيع المجرم بشار أن يحدد مدة الولاية الرئاسية بسبع سنوات ولولايتين، بدلًا من جعل مدة الولاية بسبع سنوات، تاركًا عدد مرات تجديدها مفتوحًا. ولكنه لن يستطيع أن يمد ولايته إلى عام 2014م بحكم انتهاء ولايتيه الرئاسيتين، وربما يكون صاحبنا يحلم بأنه سيستأنف ولايتين أخريين ابتداءً من إقرار الدستور الجديد. وهذه كلها أوهام وخزعبلات وألاعيب لا قيمة لها، وسوف يكتب السوريون دستورهم قريبًا بعد نجاح ثورتهم، وسوف يكون هو الدستور الحقيقي والطبيعي والمنطقي.
المصدر: الإسلام اليوم
علي حسين باكير
مصطفى يوسف اللداوي
حسان الحموي
فاضل الحمصي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة