عدنان أمامة
تصدير المادة
المشاهدات : 7204
شـــــارك المادة
أحد كبار السن ممن تعلق قلبهم بالمسجد، اعتاد أن يسألني بعد صلاة الفجر من كل يوم عن آخر الأخبار في سوريا، واليوم بعد أن ذكرت له طرفاً من الأخبار السيئة وأعداد الشهداء المتزايدة، والمجزرة التي ارتكبت بحق الأطفال والنساء صعقني بقوله: هل يقف رب العالمين بصف طواغيت سوريا؟
أدركت عمق اليأس والإحباط الذي بدأ يتسلل إلى النفوس حتى نفوس أولئك الذين كنت أحسب أن عندهم من الإيمان ما يعصمهم من سوء الظن بالله، وقلت في نفسي: إذا كان هذا حال من يتابع الأخبار وهو يعيش خارج سوريا في أمن وأمان ورغد من العيش، فكيف حال من يواجه آلة الموت داخلها صباح مساء، ولا يرى إلا الخذلان والتواطؤ عليه وعلى ثورته؟ لذا رأيت من الأهمية بمكان أن تتضافر الجهود وتحشد الطاقات لرفع الروح المعنوية للمسلمين عموماً وللثائرين في سوريا خصوصاً، وأن واجب الوقت بث روح التفاؤل والأمل في النفوس والتشبع بمعاني النصر وروحه، وبحتمية زوال الظلم والطغيان، وإسهاماً مني في تحقيق هذا الأمر أحببت أن أذكر بالحقائق التالية: الحقيقة الأولى: أن الثائرين والمتظاهرين ضد نظام الظلم والإجرام في سوريا أصحاب حق وطلاب عدالة، وأنهم بثورتهم هذه يعملون على إحياء نفوس شعب بأكمله واسترداد وطن مخطوف طال انتظار أهله لعودته، وأنه لم يحصل أن يجتمع على تأييد ثورة من الثورات، ما اجتمع للثورة السورية، حيث تواطأت أمم الأرض عربهم وعجمهم، مسلمهم وكافرهم -إلا من مسخت فطرته البشرية، وتصحر قلبه من كل معاني الخير والرحمة-، واجتمعوا على تأييد الثورة السورية، ومطالبها المحقة في نيل الحرية والعدالة، ورفض الظلم والبطش والإجرام الذي تقوم به الطغمة الحاكمة في سوريا، وفرضت البطولات والثبات الذي أبداه الثائرون في مواجهة شتى صنوف القمع نفسه على المشهد العالمي، وباتت أخبار سوريا تحتل صدارة نشرات الأخبار في مختلف القنوات والإذاعات العالمية، وقد حظيت مشروعية الثورة السورية بإجماع علماء المسلمين على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم ومواقفهم السابقة من ثورات مماثلة، ورفض الجميع المنطق القائل: إن ما يجري في سوريا فتنة ينبغي اعتزالها، لأن الفتنة تكون حيث يختلط الخير والشر والحق بالباطل، أما هنا فالحق أبلج مثل رابعة النهار والباطل ظاهر مكشوف لا يخفى إلا على عميان البصيرة. الحقيقة الثانية: أن الثوار السوريين اليوم يقفون في خط الدفاع الأول عن الأمة الإسلامية جمعاء، وأنهم يقاتلون بالنيابة عن كل مسلم، وأن انتصار ثورتهم يعني اندحار كل مشاريع المكر والخيانة على اختلاف صورها وتعدد أشكالها من صهيونية وصليبية وصفوية، وأن زوال النظام الطائفي في سوريا يعني زوال الكابوس الإيراني عن المنطقة كلها، والمقدمة الحقيقية لزوال دولة اليهود -بإذن الله-، والممهد لتبوء أرض الشام مكانتها الموعودة في الكتب السماوية. ولست مبالغاً إذا قلت: إن انتصار الثورة في سوريا على نظامها القمعي المؤيد من القوى العالمية سيكون منارة تضيء الطريق أمام كل المقهورين والمظلومين في العالم، ومعلماً يستلهمون منه دروس الكرامة العزة والتحرر. الحقيقة الثالثة: أنه وإن كان الأصل أن لا يتمنى المؤمن لقاء العدو وأن يسأل الله العافية، إلا أنه حيث تفرض عليه المواجهة، فالواجب أن يحول المحنة إلى منحة والنقمة إلى نعمة، فيعلم أن الله قد أكرمه وفتح له باب الجهاد الذي هو ذروة سنام الإسلام، وأجر الجهاد لا يعدله أجر أي عمل آخر، ففي الصحيحين: قيل: "يا رسول الله، ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: ((لا تستطيعونه))، فأعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً، كل ذلك يقول: ((لا تستطيعونه))، ثم قال: ((مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صلاة ولا صيام حتى يرجع المجاهد في سبيل الله))". وقال - عليه الصلاة والسلام -: ((موقف ساعة في سبيل الله، خير من قيام ليلة القدر، عند الحجر الأسود))، ومعلوم أنَّ الصلاة في المسجد الحرام، بمائة ألف صلاة، وهذه المضاعفة العظيـمة، مضاعفة أيضـاً بأكثر من 83 عاماً في ليلة القـدر، وبهذا تكون ساعة الرباط خيراً من كـلّ هذا العمل العظيـم، فسبحـان الله! ولأجل هذا الفضل كان - عليه الصلاة والسلام - يتمنى أن لا تفوته المشاركة في أي واقعة مع الأعداء، لذلك قال: ((لولا أن أشق على أمتي ما قعدت خلف سرية)). ومعلوم أن الجهاد لا يتوقف على المواجهة العسكرية في الميدان، بل يتسع ليشمل كل الأعمال التي تساهم في زوال الظلم ونصرة الحق والعدل، فالتصدي للمعتدين على النفوس والحرمات في جهاد، والسير في المظاهرات، وكتابة الشعارات واليافطات والأشعار والمقالات وإيواء المشردين وإسعاف الجرحى، والتصوير والتوثيق للانتهاكات، وجمع التبرعات وتعرية النظام في وسائل الإعلام وفضحه على الفضائيات، وكل ما تحتاج إليه الثورة من متطلبات داخل في مسمى الجهاد إن خلصت النية لله - سبحانه -. الحقيقة الرابعة: الإيمان بأن النصر على نظام متجذر في طغيانه وإجرامه، ومتشبع بحقد طائفي عنصري، ومضى على اغتصابه للسلطة ما يقرب من نصف قرن لا يمكن أن يتحقق بتلك السهولة التي يظنها البعض، بل لا بدّ من دفع ومدافعة وصبر ومصابرة وتضحيات وأثمان باهظة تدفعها الأمة من دماء أبنائها وبناتها، ومن أمنها وأمانها ومن أموالها وتجارتها ومصالحها، وهذه سنة الله في النصر والانعتاق من الطغاة الظالمين، قال - تعالى -: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَآءُ وَالضَّرَّآءُ وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ}، إذن ابتلاء الله للصالحين بتأخر النصر وشتى أنواع الشدائد سنة قديمة ثابتة، ولذلك حين اشتكى المستضعفون من المسلمين في مكة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وقالوا له: "ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا"؟ كان جوابه لهم: ((إن من كان قبلكم كان أحدهم يوضع المنشار على مفرق رأسه فيخلص إلى قدميه، لا يصرفه ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما بين لحمه وعظمه، لا يصرفه ذلك عن دينه)). ثم قال: ((والله ليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم قوم تستعجلون)). فما دام الثائرون يستمدون شرعية ثورتهم من الدين ويقومون بما يفرضه عليهم الشرع، فهم على خير وهم في كفالة الله، كما قال - صلى الله عليه وسلم - : ((تكفل الله لمن جاهد في سبيله لا يخرجه من بيته إلا الجهاد في سبيله وتصديق كلمته؛ أن يدخله الجنة أو يرده إلى مسكنه بما نال من أجر أو غنيمة))، وليس لنا بعد ذلك أن نقترح على الله خلاف ما تقتضيه حكمته من تقديم النصر أو تأخيره. الحقيقة الخامسة: أنه وإن كانت قلوبنا تتقطع ألماً وحزناً على الأعداد المتزايدة من الشهداء الذين يقطون يومياً على مذبح الحرية، إلا أننا لسنا ننسى أن الشهادة في سبيل الله شرف عظيم لصاحبها، واصطفاء يصطفي الله لها من يشاء من عباده، وإذا كنا موقنين أنا لن نموت إلا مرة واحدة مكتوبة علينا قبل خلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، فلماذا لا نسعى لأن تكون شهادة لنا في سبيل الله؟ ولا أدل على علو هذه الأمنية وعظيم مكانتها من كون الرسول - صلى الله عليه وسلم - على الرغم من منزلته الرفيعة عند الله يتمناها ويشتهيها، وليس مرة واحدة بل مرة تلو مرة، قال - صلى الله عليه وسلم -: ((والذي نفس محمد بيده لوددت أني أغزو في سبيل الله فأقتل، ثم أغزو فأقتل، ثم أغزو فأقتل)) ولم يا ترى؟ يجيب - صلى الله عليه وسلم -: ((ما أحد يدخل الجنة، يحب أن يرجع إلى الدنيا، وله ما على الأرض من شيء إلاّ الشهيد، يتمنَّى أن يرجع إلى الدنيا فيُقتـل عشر مرات، لما يرى من الكرامة))، ومما يؤكد هذا المعنى أنه لما قتل عبد الله بن عمرو بن حرام –رضي الله عنه- يوم أحد قال - عليه الصلاة والسلام - لولده جابر: ((يا جابر! أتدري ماذا فعل الله بأبيك))؟ قال: "لا. يا رسول الله". قال: ((والذي نفسي بيده! لقد كلم الله أباك كفاحاً بلا ترجمان، فقال: تمن يا عبدي. قال: أتمنى أن تعيدني إلى الدنيا فأقتل فيك ثانية. قال: إني كتبت على نفسي أنهم إليها لا يرجعون؛ فتمن. قال: أتمنى أن ترضى عني؛ فإني قد رضيت عنك. قال: فإني قد أحللت عليك رضواني لا أسخط عليك أبداً)). فأيُّ فضلٍ في الإسلام أعظـم من هذا الفضل، وأيُّ مكانة أسمى من هذه المكـانة؟! وإذا كان البعض يحجم عن ساح النزال لما يتوهمه من الآلام والأوجاع؛ فليستمع إلى قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنَ القَتْلِ إِلا كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ))! وإذا كان البعض يخاف الجراح فليستمع إلى قوله - عليه الصلاة والسلام -: ((والذي نفسي بيده لا يُكْلَم -من الكلم وهو الجرح- أحد في سبيل الله، والله أعلم بمن يُكْلَم في سبيله إلا جاء يوم القيامة اللون لون الدم، والريح ريح المسك)). وإذا كان البعض يخاف من السجن والأذى في سبيل الله؛ ((مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبِ وَلا وَصَبٍ وَلا هَمٍ، وَلا حَزَنٍ وَلا غَمٍّ، وَلا أَذًى، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللَّهُ - تعالى – بِهَا خَطَايَاهُ)). إذن، وإن كان الإنسان يؤثر السلامة والعافية ويحب أن يرى ثمرة عمله في الدنيا، وهذا أمر مشروع، إلا أنه لا يجوز أبداً أن ننسى البعد الأخروي للقضية، وهو الأهم، قال - تعالى -: {يا أيها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل الله اثاقلتم إلى الأرض، أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة، فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل}. الحقيقة السادسة: لا بدّ من اليقين الجازم أن هذا النظام زائل طال الزمان أم قصر، وهذه سنة الله في الظالمين قديماً وحديثاً لم تتبدل ولم تتغير، وسقوط هذا النظام سيكون أسرع من غيره من أنظمة الظلم والاستبداد، وذلك لأنه تمادى في الطغيان، وأوغل في الإجرام، والنبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((ما من ذنب أجدر أن يعجل الله - تعالى - لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة مثل البغي وقطيعة الرحم)). ختاماً: العاقبة للثوار إن هم صبروا واعتمدوا على الله وحده، وأخذوا بما أمكنهم من أسباب، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
المصدر: موقع المسلم
أبو يزن الشامي
عامر البوسلامة
عطية عدلان
عبد العزيز الجليل
جزاه الله خيرا ووفقه الله
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة