..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

الطريق إلى الحرب

مجاهد مأمون ديرانية

١٩ نوفمبر ٢٠١١ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3141

الطريق إلى الحرب
1.jpg

شـــــارك المادة

رسائل الثورة: السورية المباركة (62)
الطريق إلى الحرب

 

سألني بعض الأصدقاء: هل أنت واثق أن حرباً يمكن أن تبدأ في سوريا؟
يا أصدقائي: الحرب بدأت فعلاً، فالبداية الحقيقية لأي حرب لا تكون في الميدان، إنها تبدأ قراراً يُصدره السّاسة وفكرةً في عقول القادة وخططاً على الورق، ويبدو أننا قد تجاوزنا الآن ذلك كله وبتنا في مرحلة تجييش الجيوش وإطلاق النفير.
يا أيها السادة: عندما يجتمع الأقطابُ الكبار لبحث "مستقبل سوريا بعد الأسد" فإننا ندرك أن الأمر انتهى بالفعل، وأننا نعيش في الوقت بدل الضائع من المباراة. أما سمعتم عن اجتماع باريس المُزمَع عقده لبحث "مستقبل سوريا"؟ إنهم يبحثون الآن "الخطوات المقبلة للتعامل مع التطورات في سوريا، ورسم تصورات لمستقبلها بعد سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد".
  ماذا يعني هذا سوى أن حكم الأسد في طريقه للزوال إلى الأبد -بإذن الله الواحد الأحد-؟
قبل أيام دعا ملك الأردن عبد الله الثاني -خلال لقائه مع رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون- إلى تشكيل "لجنة اتصال" لحل الأزمة السورية. اللجنة سوف تجتمع في باريس بحضور أميركي وبريطاني وفرنسي وتركي وعربي -من السعودية وقطر والإمارات والأردن-، وقد أُعلن بشكل مفاجئ أن رئيس المجلس الوطني سوف يشارك في الاجتماع، وهذه العلامة الأخيرة وحدها تكفي دليلاً على أن المجتمع الدولي قد أصدر الحكم على النظام بالإعدام!
بعد ذلك وفي لقاء مع عدد من الصحف البريطانية طرح دبلوماسي أردني كبير فكرةَ تأسيس لجنة الاتصال بقيادة بريطانية فرنسية -على غرار النموذج الليبي-، وذلك من أجل إنشاء منطقة عازلة وتطبيق حظر جوي والعمل على إسقاط بشار الأسد. مرة أخرى نرى المؤشر بوضوح: إنهم يشقّون الطريق الذي ستمشي عليه الحملة الدولية لإسقاط النظام، وهو تقريباً الطريق نفسه الذي مشوا عليه في ليبيا.
اليوم قرأنا ما يفيد بأن الاجتماع التحضيري للّجنة قد عُقد فعلاً في باريس أمس، وشارك فيه مندوبون عن فرنسا وبريطانيا وألمانيا وتركيا والولايات المتحدة وعدد من الدول العربية. خبر انعقاد هذا المؤتمر يبدو شبهَ مؤكد رغم أن فرنسا حرصت على إبقائه بعيداً عن الأضواء ولم تعلّق عليه رسمياً، وقد تحدثت عنه مصادرُ دبلوماسية أجنبية في باريس قائلةً: إنه يُعتبَر تمهيداً لإنشاء "مجموعة اتصال" بشأن سوريا تضم الدول المعنية والراغبة في العمل معاً.
قبل أيام طار وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه إلى تركيا حيث التقى بالقادة الأتراك الكبار: رئيس الجمهورية، ورئيس الوزراء ووزير الخارجية، بالإضافة إلى أعضاء في لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان التركي. هذا الخبر هو أهم الأخبار التي حملها الأثير بعد خبر إعلان المبادرة العربية قبل سبعة عشر يوماً، فهو يدل على أن التحالف الدولي صار في المراحل الأخيرة من عملية تشكيله وأنه بات قريباً من الإطلاق على الأرض.
نحن نعرف الجفوة بين تركيا وفرنسا والتي تسبب بها موقف فرنسا من انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي، ذلك الموقف الرافض الذي أعاد ساركوزي تأكيده قبل ستة أسابيع فقط خلال زيارته إلى أرمينيا، ومع ذلك يذهب وزير الخارجية الفرنسي بنفسه إلى تركيا ويحرص على الالتقاء بكل المسؤولين الكبار واحداً واحداً، ثم يصرّح بأن فرنسا "عازمة على العمل بشكل وثيق مع تركيا من أجل تصعيد الضغوط على النظام السوري"، وفي الوقت نفسه تتحدث التقارير الواردة من العاصمة الفرنسية عن "دور تركي أساسي ومتعاظم تلاحظه باريس لتحقيق أهداف الحملة الدولية على النظام السوري، يساوي أو ربما يفوق الدور العربي".
بعد الزيارة طالب الوزير الفرنسي بتشديد العقوبات على سوريا، ودعا وزير الخارجية التركي إلى تصعيد الضغوط على سوريا لوقف نزيف الدم، قائلاً: "لا يمكن أن نقف مكتوفي الأيدي أمام المذابح التي تُرتكَب بحق الشعب السوري". وقبل ذلك بقليل كانت فرنسا هي الدولة الأوربية الأولى التي تعلن أن النظام السوري فقد شرعيته وأن عليه الرحيل.
وهكذا نرى أن معالم التحالف الدولي قد بدت أكثر وضوحاً الآن، حيث نشعر بالدور المحوري لتركيا فيما نلاحظ أن فرنسا تقود الحملة الرسمية ضد الأسد، تماماً كما فعلت في الحملة على القذافي قبل شهور. لماذا؟ هل هي فعلاً صاحبة الدور الأكبر؟
الجواب الأقرب هو: لا، الدور الأكبر تلعبه الولايات المتحدة. الظاهر على السطح أن التحرك بدأ عربياً بشرارة خليجية، ولكن من الواضح أن القوة الدافعة والتأثير الحقيقي جاءا من تركيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، ولا نبتعد عن الحقيقة كثيراً إنْ قلنا إنّ الولايات المتحدة هي صاحبة الوزن الأكبر في المواجهة، وهي التي يُتوقَّع أن تلعب الدور الرئيسي من وراء الكواليس. أما لماذا من وراء الكواليس؛ فلأسباب أميركية محلية بحتة، مراعاةً للمزاج الأميركي العام الذي يضغط باتجاه الانسحاب من مشكلات العالم والتوقف عن توريط الولايات المتحدة في حروب ونزاعات خارجية، ولذلك تحاول الإدارة الأميركية -ما استطاعت- أن تبدو بعيدة عن التورط المباشر في المشكلات الدولية. لكنها ليست كذلك في الحقيقة، وما ليبيا إلا نموذج على هذا، حيث حرصت إدارة أوباما على إخفاء الدور الأميركي الضخم في الحملة وتركت فرنسا وبريطانيا وإيطاليا لتتصدر الظهور الإعلامي، مع أن أكثر من أربعة أخماس الصواريخ التي أُطلقت على ليبيا كانت أميركية، وأكثر من نصف الغارات الجوية كانت أميركية، وتسعة أعشار عمليات الاستطلاع والتجسس نفذتها طائرات وأقمار صناعية أميركية.
إذن؛ فإن الولايات المتحدة تختبئ خلف فرنسا لاعتبارات أميركية خاصة، وقد وجدَت إدارةُ أوباما في وزير الخارجية الفرنسي القدير الشخصَ المناسب لقيادة الحملة الدولية، بعدما أثبت نجاحه في الحملة السابقة على ليبيا. ومَن أفضلُ لقيادة الحملة الدولية من هذا السياسي المخضرم الذي كان رئيساً للوزراء في عهد الرئيس جاك شيراك، ثم وزيراً للخارجية في عهد الرئيس فرانسوا ميتران، ثم صار وزيراً للدفاع في عهد الرئيس ساركوزي قبل تعيينه وزيراً للخارجية خلفاً للوزيرة الخائبة ميشال آليو ماري؟
لقد كان توليه وزارة الخارجية منعطفاً في الحرب الليبية، حيث نجح بكفاءة عالية في حشد المجتمع الدولي وإقناع أعضاء مجلس الأمن لاستصدار القرار رقم 1973 الذي نصّ على فرض منطقة حظر الطيران الليبية وحماية المدنيين، والذي كان -فعلياً- بداية النهاية للقذافي البائد، وكان جوبيه هو وزير الخارجية الوحيد الذي ذهب إلى مقر مجلس الأمن وقاد الضغوط على الدول الأعضاء لتمرير القرار. يبدو أن الوزير القدير يستعدّ لِلَعب دور مشابه في الأزمة السورية.
لقد صار التحالف الدولي جاهزاً للعمل، وهو مكوَّن من نفس الأطراف التي أدارت الأزمة الليبية -أوربياً وأميركياً وعربياً- مع دخول لاعب جديد مهم: تركيا.
لاعتبارات الجوار والمصالح المتداخلة ستكون تركيا هي أهم المشاركين الميدانيين، وغالباً سترون أن الجزء الأكبر من الحملة سيتم انطلاقاً من الأراضي التركية واعتماداً على القوات التركية وبتحريك ودعم من القيادة التركية. منذ عدة شهور وأنا أكرر أن تركيا ستكون "رأس الحربة" في أي مشروع لحل المشكلة السورية، وقد لقيت بسبب تكرار هذا الرأي كثيراً من التهكّم والسخرية نظراً للمواقف المتباطئة للأتراك ولقلة تصريحاتهم العلنية، وها قد اقترب اليوم الذي يصدق في تركيا حدسي -بإذن الله-.
حسناً، القراءة الدقيقة للأحداث تُنْبئنا -إذن- بأن كرة الثلج تتدحرج متسارعة باتجاه إسقاط نظام الأسد أخيراً، والحقيقة أنّ تدحرجها لا علاقة له لا بمهلة الأيام الثلاثة -التي ستنتهي بعد ست ساعات من كتابتي لهذه الكلمات-، ولا بردّ فعل النظام السوري على المهلة. كل ذلك ليس أكثر من تبادل الكرة بأقدام لاعبي الفريق الفائز انتظاراً لسماع الصافرة. لقد انتهى إعداد المسرح، ولم يبقَ إلا ضغط الزر لإطلاق الحملة.
ما تزال أمامنا قضايا كثيرة بحاجة إلى توضيح: ما هي احتمالات المناطق الآمنة؟ ما هي احتمالات الضربات الجوية؟ ما هي احتمالات الرد السوري؟ ما هي حدود المشاركة العربية؟ ما هو دور الجيش السوري الحر؟ ما هو مصير الثورة السلمية وما هو دور جماهير الثورة على الأرض السورية؟ سوف أناقش هذه النقاط –وغيرها- تباعاً في المقالات الآتية -إن شاء الله-.

المصدر: الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع