أسامة عثمان
تصدير المادة
المشاهدات : 12992
شـــــارك المادة
كبندول السّاعة يتذبذب الرّأي، إزاء ثورة السّوريّين، ضدّ نظام الأسد: هل تنتصر الثّورة؟ أم تفضي بها الظّروفُ المحيطة بها إلى الاضمحلال؟ أو الاحتواء؟
وهنا عدد من المعطيات، منها ما هو ضدّ النّظام ومنها ما هو لصالحه، ننظر فيها، ولا يعلم تطوّرات الأمور إلاّ الله.
ولعلّ أبرزَ العوامل ضد النّظام الإرادةُ الشّعبيّة، وهي مستمرّة منذ عشرة أشهر، وتزيد توسّعًا، في مناطق كان النّظام شديد الحرص -ولا يزال- على تحييدها، وهي دمشق، وحلب. والإرادة كذلك مستمرّة، تصميمًا، ولو في مواجهة القتل المنتشر بكثرة، وظروف حياتيّة تطال العائلات، وجميع النّاس في المناطق الثّائرة، كبارًا ومرضى، وأطفالاً... هذه الإرادة الشّعبيّة التي تتغذّى بالأمل بالخلاص من عقود من الخنق والكبت والتّعسّف، لا يفتُّ في عضدها مواقفُ من شأنها التّوهين، وإضعاف الإرادة، وهي من الأصدقاء، ومن الأعداء، أمّا التي من الأصدقاء فتتمثّل في الجهات التي تتصدّى لتمثيل الثّائرين، في المحافل الرسميّة العربيّة والدّوليّة، والمقصود الجهات المعارضة، وعلى رأسها "المجلس الوطنيّ" و"الهيئة التنسيقيّة الوطنيّة" حيث يشكو السّوريّون في قلب الثّورة من انقسام المعارضة، ولو أنّه انقسام لا يصل إلى المتفّق عليه، وهو إسقاط النّظام، وإقامة نظام آخر مكانه، مبنيّ على الشّراكة، واحترام المواطنين جميعًا. مع أنّنا لا نستطيع التّهوين من شأن هذه الخلافات؛ لأنّ مخاوف تلك الأطياف المعارضة ترتدّ إلى أسباب قوميّة، أو طائفيّة تعوق العمل الموحَّد؛ لضعف الاطمئنان إلى المصير الواضح، والرؤية المشتركة. ومن ذلك على سبيل المثال، موقف الأكراد الحذر، فقد قال عبد الحميد درويش، رئيس المجلس الوطنيّ الكرديّ وسكرتير عام الحزب الديموقراطيّ التقدميّ الكرديّ،: "إنّ هناك تراجعًا في ملفّ توحيد المعارضة السوريّة، وما زلنا في المربّع الأوّل"، وأضاف درويش، في تصريح خاص لـ"إيلاف" أنّه ليست هناك "أيّة خطوات إيجابيّة، وما نجده أنّ المعارضة تراجعت عن خطوة القاهرة الإيجابيّة، التي تمّت في وقت سابق، وهم رافضون إشراك الكتلة الكرديّة في أيّ عمل مقبل". وأوضح أنّه لا يدري ما أسباب ذلك، ويرجّح أن تكون قوميّة أو لأسباب أُخرى". وهذه الحالة المعارضة البادية الانقسام، والتي تستبطن التوجّس، تتداخل مع الموقف الدّوليّ، والأمريكيّ بالذات الذي يصرّ، ويؤكّد على أهميّة تمثيل المجلس الوطنيّ، والمعارضة لكلّ الأطياف والطّوائف… وهذا الإدراك الدّوليّ، والأمريكيّ، تحديدًا لوضع القوى المعارضة، بالإضافة إلى تنامي المخاوف من استيقاظ التناقضات المذهبيّة والطّائفيّة، يدعو تلك الدّول الفاعلة، إلى مزيد من (التروّي) والانتظار؛ حتى تنضج الظّروف الوطنيّة في سورية. وحتى يزيد تصدّع النّظام، والقوى الملتفّة حوله، في بلد بالغ الأهميّة والحساسيّة، حيث بجواره العراقُ المتأرجحُ الأوضاع، وتحت إشرافه لبنانُ الذي ما استقرَّ يومًا، وتحتل جولانَه "إسرائيل" التي تزداد عزلة وتديّنًا متطرّفًا.. فالفراغ مقلق لأمريكا التي -بالكاد- ترتّب أوراقها في المنطقة. وثمّة عامل داخليّ أمريكيّ يعود إلى الانتخابات الأمريكيّة ورغبة أوباما بالاحتفاظ بـ"إنجازه" الهشّ في العراق. وعلى الرّغم من الظّروف القاهرة، التي تحيط بالثّورة، داخليًّا، من عدوّها المتمثّل في النّظام وعصابته، أو تلك الخلافات غير المشجّعة في تشكيلات المعارضة، في الخارج والدّاخل، على خلفيّة التّدخّل الأجنبيّ، أو بسبب المخاوف القوميّة، أو المذهبيّة والطّائفيّة، فإنّ الإرادة الشعبيّة فاعلة، وتبدو غير مكترثة، أو متراجعة. ومما يعمل ضدّ النّظام، وينبني على الموقف الشعبيّ المواقفُ الدّوليّة، ولا سيما أمريكا، وأوروبا التي اتّخذت قرارها في الاستغناء عن نظام الأسد الذي قطع شعرةَ معاوية مع شرائح واسعة من شعبه، وأغرق كلَّ سفنه مع تلك الدّول التي لا يمكنها الاستغناء عن بلد كسورية؛ فلم يعد بإمكانها الصّبر عليه طويلاً. زِدْ على ذلك، وفي العامل الدّوليّ –أيضًا- أن النّظام البعثيّ في سورية قد بات أكثر خطورة، وهو يخشى من الاقتراب من نهايته، وما التّفجيرات التي تكرّرت في قلب دمشق -وقد سبقتها تهديدات الأسد بزلازل في المنطقة، وأفغانستانات عديدة- إلاّ مؤشر على ما يمكن أن يوصل هذا النّظام الإقليم إليه. وهو الأمر الذي حذّر منه رئيس الوزراء التركيّ، رجب طيب أردوغان، حين حذّر من حرب طائفيّة ومذهبيّة، إذا استمرّ نظام الأسد. ومما يزيد الأمر صعوبة وخطورة أنّ الأسد بدا في خطابه الأخير أكثر جمودًا وتصميمًا على البطش والتّصعيد، ولم تبدر منه لفتات حقيقيّة تبشّر بالخروج من هذا النّفق المظلم الذي دخله، وأدخل معه فيه بلدًا كاملاً! ونظام الأسد؛ إذ يبدو على هذا التّعنّت والجمود إنّما يرتكن إلى مواقف دوليّة أخرى لا تزال تمدّه بمظلّة دوليّة في مجلس الأمن؛ إذ على الرّغم من الموقف الروسيّ الأخير الذي عرض مشروع قرار إلى مجلس الأمن، وهو ما يعني اعترافًا بتدويل الأزمة، فإنّ روسيا والصّين، ودولاً أخرى لا تزال على دعمها لنظام الأسد. أما على الصّعيد الإقليميّ والعربيّ فإنّ ثمّة تعادلاً، أو غلبة لا تنضج بعد للحسم؛ فتركيا المناهضة للأسد والقاطعة معه تقابلها إيران المستميتة وحلفاؤها في الدّفاع عن النّظام واستبقائه. وعلى مستوى الجامعة العربيّة فإنّ الغالبيّة المصطفّة ضدّه لا تصل إلى الحسم، ولعلّ أوضح دليل على ذلك أداء بعثة المراقبين وانقسامها... حتى ظُنَّ أنّها تتواطأ مع النّظام، أو تهون من جرائمه. ويبقى السّؤال: إلى أين تتجّه الأمور؟ ألِصالحِ النّظام، أم ضدّه؟ إذا صحّ تشخيصنا للإرادة الشّعبيّة، وأنّها نهائيّة في رفض النّظام، وترى الرّجوع، أو التّراجع لا يعادل الموت، بل يفوقه؛ فإنّ من المتوقّع أن تتنامى فاعليّةُ المواقف الدّوليّة والإقليميّة، حتى المساندة، وهي تراعي في المقام الأول مصلحتها، ربّما تجد نفسها مضطرّة إلى حفظ خطّ الرجعة، أو استبقاء ما يمكنها من المصالح مع الشّعب السّوريّ، ودول المنطقة العربيّة، وغالبيّتها قد حسمت مواقفها ضدّ النّظام. والخطّ البياني يشير بوضوح إلى توسّع المعارضة وامتدادها، على مدار الشّهور المنصرمة، والانشقاق في صفوف الجيش يزيد، حتى باتت قوات الأسد و(شبيحته) لا تسيطر، ولا تتمكن من دخول بعض المناطق، على الرغم من كلّ القصف والحرب التي تشنّها عليها. فمن الصّعب -إن لم يكن من المستحيل- بعد الصيرورة الثّوريّة السّوريّة، أن تعود عقارب السّاعة إلى الوراء.
المصدر: الإسلام اليوم
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة