عبد الرحمن عبد الله الجميلي
تصدير المادة
المشاهدات : 8847
شـــــارك المادة
لماذا يغضب الإنسان؟ لماذا تحمر الأحداق وتنتفخ الأوداج؟ ولماذا يعلو الصوت وتشتد النبرات؟ ولماذا يفور الدم في العروق وتتسارع دقات القلوب؟ الغضب خلق جبلّي، يحسن ويجمل إذا كان في طريق السداد، ويزدان رونقاً وبهاءً إذا أثمر الخير وجاء بالوداد، ومنع الضر وأزاح الفساد، والغضب سيِّئٌ قبيح إذا هيَّج النَّعرات والعصبيات، وأشعل المنكرات والمضرات.
ألم تر النبي - عليه الصلاة والسلام - يغضب؟ بل ويشتد غضبه؟ وهو مَنْ حذّر ونهى عن الغضب!! ألم يردِّد مراراً: ((لا تغضب))؟ ولكن: ألم يغضب - صلى الله عليه وسلم - حينما شكا إليه رجل إمام الحيِّ الذي يطيل عليهم الصلاة؟ ألم يغضب من أسامة بن زيد -وهو حِبُّه- حينما كلَّمه في شأن المرأة المخزومية التي سرقت؟ نعم، لا تغضب من أخيك إذا أخطأ في حقك. نعم، لا تغضب إذا فاتك شيء من حطام الدنيا. نعم، لا تغضب إذا وقع إناء من يد زوجتك أو أختك وتطايرت شظاياه! ولكن ألا تغضب إذا انتهكت حرمات الله هنا وهناك، ألا تغضب إذا دِيسَت كرامة أمتك ولُوِّث عزُّها، ألا تغضب إذا سُحبت البنات العفيفات إلى زنازن المجرمين والطغاة، ألا تغضب لأعراض أخواتك المسلمات؟! ألم تر كيف يُقطَّع جسد أخت لنا في العروبة والإيمان؟ يُمزَّق جسدها تحت التعذيب، وتُجزَّر أعضاؤها كأنما هي أضحية العيد، ثم يتفنن الطغاة ماذا يفعلون وكيف يستفيدون من هذا الجسد الطاهر المستباح، فيوحي لهم شيطانهم أن سلِّموه لواحدة من الأسر المثقلة بالجراح، كيما نُبيِّض الوجه القبيح للظالم السفاح!! كلُّ هذا فقط حتى لا يصدِّق الشعب ما يراه من مجازر في المساء وفي الصباح. أربعون عاماً، نُدهس فيها ونُداس، ونُضرب بعصيِّ النظام على القفا والراس، ونُسقى فيها الذلَّ والهوان سكباً بالكأس والطاس، ثم تقول لي: لا تغضب؛ فالغضب يقلق الناس... فما هذا الوسواس الخناس؟ أربعون عاماً، يتصاغر النظام ويتذلل أمام الروس والأمريكان، ويسكب على رؤوسنا اللهب والقهر والنيران، ينادي بوشاً ونتنياهو بسيدي وسيد الأزمان، ثم يلتفت إلينا بالرَّكل والصَّك والعدوان، يفتح بلادنا لمن يهزأ بالرسول ويسبُّ الصَّحب الكرام، ثم ينهال علينا باللوم والتقريع والشتام... فما عساه أن يكون الكلام؟ بلى علينا أن نغضب، علينا أن نسلَّ الرؤوس من قيود الإذلال، وأن نصدح بالحرِّية أمام زمجرة الطغيان، ونتغنى بالعدل في وجه الجبابرة الظلام، ونطلب الموت وننازله في الساحات طلباً لحياة لباسها الكرامة والوئام. كيف لا أغضب؟ وأنا أرى هذا النظام يعتقل ويعذب بل ويقتل البنين والبنات، فتتقرّح عليهم أفئدة الآباء والأمهات، ألم يغضب النبي - عليه الصلاة والسلام - لمَّا رأى عصفورة ترفرف بجناحيها؛ لأن أحدهم أخذ فرخيها؟ فقال النبي الكريم: ((من فجع هذه بولدها؟ ردُّوا عليها ولدها)). فلماذا لا نغضب؟ ولماذا لا نقول لهذا الغاشم: من فجع هؤلاء بأبنائهن وبناتهن؟ ردَّ عليهم أولادهن، رُدَّ عليهم بناتهن. ألم يغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - من أجل جمل أرهقه صاحبه بالعمل الدؤوب والجوع الطويل؟ فقال للفتى صاحب الجمل: ((أفلا تتقي الله في هذه البهيمة التي ملَّكك الله إياها؟)). فكيف لا نغضب؟ ونحن نُساقُ كالعبيد، لنخدم هذا النظام البليد، نخدم الضباط في المكاتب والبيوت، ونغسل لهم الأواني والصحون، ونمسح سياراتهم ونحلق لهم الذقون... فإذا طلبنا حقاً من حقوقنا ألهبوا ظهورنا بالسياط والكرابيج، وأذاقونا المرَّ على الكراسي والدواليب، ورمونا في الزنازن نقاسي الجوع والآلام والتنكيد. ألم تر كيف يُقهر أبناؤنا في السجون والثكنات، وفي البساتين والساحات؟ ألم تر كيف يُؤمرون بالسجود للطغاة؟ وكيف يُكرهون على قول: لا إله إلا بشار؟ ثم يقتلون ويعذبون بالحديد والنار؟ ألم تر شبيحة النظام وزبانيته في مساجد الله؟ كيف يمزِّقون المصاحف ويهزؤون بالصلاة وأذكار الإله، ويقصفون المنابر والمآذن لأنها تغرد: حي على الصلاة حي على الفلاح، ويرقصون ويغنُّون ويعبثون في المحاريب حتى ضجت الأرض بالشكوى إلى الله!! فكيف لا أغضب، وكيف لا تغضب؟!
رابطة خطباء الشام
أنور قاسم الخضري
مجاهد مأمون ديرانية
عبد الرحمن الحازمي
المصادر:
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة