عمر الخالدي
تصدير المادة
المشاهدات : 3486
شـــــارك المادة
الأشقياء في الدّنيا كثير، ولا أظنّ باستطاعة بائس مثلي أن يرفع شيئًا من بؤسهم وشقائهم، ولو أدّى كلٌّ منَّا واجبه تجاههم لربما صار في ذلك لهم سلوى، وتخفيفًا من كلّ بلوى، إضافة إلى ما يجب عليهم أن يتحلّوا به من الاحتساب والصّبر، فذلك أجره عند الله كبير وفضله عظيم. هذه السّطور، ليست تقريرًا عن الثّورة السّوريّة المنصورة، ولا وصفًا دقيقًا لها، لذا لن تجد أرقامًا أو معلومات فيها عن تلك الثّورة. هذه السّطور، هي مجرّد تنفّس بصوتٍ عالٍٍ، ووصف مشاهدات شاهدتُها من نازحين سوريّين، في العهد الذي تتحرّر فيه الدّول العربيّة من قيود الغلّ والاستبداد، فهاكم الوصف مصبوغًا بمعاناة ينوء بحملها الرّجال الأشدّاء، فكيف بكلمات أصابت شيئًا من هذا العذاب المنسيّ! إنّ كلَّ هذا العناء يتمثّل في رجل غصب للتّحقيق، ثم نُوِّم، وفاق وقد فَقَدَ كليته ورُمي على قارعة الطّريق، وله ثلاث بنات، أكبرهنّ فاطمة في العقد الأوّل من حياتها، كان قد خرج لمظاهرة يطلب فيها الحريّة والكرامة، يريد أن يعيش بإباء ليس أكثر، فكانت جائزتُه هذا التّنكيل والتّعذيب، ثم يتساءل: كيف يريدون أن نحبّ النّظام؟! فسألتُه: هل شاركت أنت حقًّا بمسيرة من المسيرات، أم أبلغ عنك المغرضون بُغية حُطام من الدّنيا، وهذا شأنهم؟ فقال - وقد ظنّني أحسابه-: كيف مابدّك أشارك! يا آية -وهي بنته وتبلغ من العمر (٦) سنوات- شو كنتي تقولي بالمظاهرات، فقالت وهي قابضة كفّها وباسطة لذراعها وتحرّكها لأعلى وأسفل بحسم وبلغة الأطفال: يا بشار يا خثيث -الأصل خسيس- دم الشّهداء مش رخيث -الأصل رخيص-، ظفّ أغراضك حُطّها بكيث -الأصل كيس-، فأعقب الأب يقول: إذا هي بتؤول هيك كيف مابدّك أشارك؟! قلتُ: لا يُهزم قوم هكذا أبناؤهم.. أمّا نبيل فله ضرب آخر من وجوه الظلم والعدوان؛ فقد كان يملك كشكًا للملابس هدموه افتياتًا، وكانت زوجته حاملاً في شهرها الأخير، فأصابها آلام الطلْق، ولم يجد مستشفًى آمنة يأوي إليها؛ لأن المستشفيات بإجماع النازحين الذين رأيتهم قد تحوّلت لمقاصب! وصارت أداة من أدوات النظام الباغي في القتل والتّحقيق! على كل حال. ظلّ صاحبنا يبحث عن مكان آمن تتمّ فيه عمليّة الولادة بأمان، فما وجد غير بيت حديث البناء –عظم-، ونادى زوجة جاره لتساعده، فولدت الأم بنتًا كالقمر، ولكنها ماتت بعد دقائق لضعف الرّعاية الطبيّة، فأبقى زوجته وحليلة جاره وذهب ليدفن البنت في المقبرة، حتى تمّت عمليّة الدّفن، فما أن انتهوا إلاّ وبدأ أزلام النّظام بنبش القبور بدعوى البحث عن أسلحة مدفونة! فأعاد دفن فلذة كبده، ورجع إلى امرأته وقد استأجر سيّارة هربت به إلى خارج البلد، ومع كل ما حصل يقول لي: لو أملك حقّ البارود ما جيت لهون! قلت: يكتب الله النّصر لشعب يحمل كلّ هذه العزيمة والتّضحية. إنّ كلّ هذه الحَكايا كالمكعب، في كلّ جهة له وجه، غير أنّ النّظام في كلّ جهة له وجه من أوجه البغي والتّدمير، ودونك ذلك التّاجر، الذي قد أنعم الله عليه، فصار داعمًا للثّورة، منفقًا مما آتاه الله يرجو رحمته، منفقًا للثّورة ومعطيًا لعائلته وإخوته، وبعد حين بُلّغ عنه، وعن أخيه، فاشتغل بتحويل أمواله إلى أملاك وصكوك؛ لأنّ أموال أخيه قد حجزها البنك بأمر من الدّولة عندما ذهب يطلب مبلغ (٣٠٠٠٠) ليرة، فأعطاه البنك (٣٠٠٠) ليرة، وقال له: "ما بتحتاج أكثر من هيك"! تُمنع عنه أمواله! إنّ كلّ الجهات التّابعة للنّظام في الوقت الحالي في سوريا، قد انقلبت جهاتٍ ومؤسّسات أمنيّة، وصار يُحجر على الجميع، ويُراقب الجميع، حتى إن أهل الشّهداء يخفون أخبار استشهاد أبنائهم حتى لا يُطاردوا، وربما يُداهم المنزل عشرات المرّات من أجل البحث عن شابّ فيه أو امرأة قد ساهموا في الثّورة، وطلب الكرامة حتى بالنيّة. على كل حال، استمرّ صاحبنا التّاجر هذا في شراء أملاك بأمواله حتى لا تُسرق بعد أن سُرق جزءٌ منها، وابتاع سيّارته ليستفيد من ثمنها في الهروب، وذلك بعد أن اُعتقل وحُقن بإبرة من طبيب إيراني، ولا يعلم ماهيّة هذه الحقنة حتى الآن! بقي أن تعرف أخي القارئ، أنّ هذا التّاجر قد قُتل ابنه أمامه على عتبة باب المنزل بالرّصاص، وحينما أراد أحدهم مساعدته ناله ما نال صاحبه، والآن يقطن هذا التّاجر في بلد آخر، بعد أن هرب من بلده خشية حكومته، وأصبح يعيش على التبرّع! ليس لنا هنا أن نغفل العمل الطبيّ الخيريّ الداخليّ، بعد أن صارت المستشفيات مصدر شؤم وقتل وتشريد، وصار كلّ من يحمل دواءً لمريض يُعتقل، ويُحَقّق معه، وكأنّه يحمل قنبلة، مما أدّى إلى التحفّظ الشّديد على الأسماء والأعمال، وصار كلّ يُنادى بلقبه، وسبحان الله، لا يزيد هذا الكبت الثّورة السّوريّة إلاّ عزًّا وامتدادًا. حتى إنّ المطلوب السّوري الأوّل -وهو ومن معه من أشعلوا الثّورة - يقول بعد أن أوصل عائلته لبرّ الأمان هاربًا من بلده: أنا مكاني مش هون، مدام أولادي بأمان راجع! قلت: لا يصمد نظام متكبّر في وجه شعب مخلص ومجاهد. لا أعتقد أنّ النّظام السّوري المجرم يحتاج لمثل هذه السّطور لإثبات ظلمه ووحشيّته، وأنّ على المراقبين أن يضربوا بيد من حديد بدلاً ممّا هم فيه، ولكنّني جعلتُ هذه المقالة بمثابة الذّكرى والبيان، لما رأيتُ مما يشيب له رأس الوليد، ويعطيك دلالة على أنّ اليهود خير من نظام المجازر والتّعذيبات، نظام كسر الرّقاب وقطع الرّؤوس. النّظام الذي أجمع كلّ من سألته عن الواقع السّوريّ على عبارة: بأولك بسْ هلئ ما بتصدّئ! الإنسانيّة تُقتل ألف مرّة في سوريا، والثّورة السّوريّة المنصورة تمتدّ بحجم هذه الدّماء المسكوبة، والدّول المحيطة تستقبل المزيد المزيد من النّازحين، وجمعيّة الكتاب والسنّة وكيلة مؤسّسة الشّيخ عيد القطريّة في الأردن تقدّم عملاً جبّارًا تجاه نازحي الأردن، ولا يُفلح بشّار بعد كلّ ما فعل..
المصدر: موقع الإسلام اليوم
أحمد ملحم الشمري
هديل كوكي
عبد الكريم بكار
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة