..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


الى الثورة

بعد المبادرة (2) النتائج المترتبة على التوقيع

مجاهد مأمون ديرانية

٢٢ ديسمبر ٢٠١١ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 3127

 بعد المبادرة (2) النتائج المترتبة على التوقيع
111.jpg

شـــــارك المادة

رسائل الثورة السورية المباركة (72): بعد المبادرة (2) النتائج المترتبة على التوقيع

أرجو أن تكون المقالة السابقة قد فسّرت دوافع الجامعة العربية التي دفعتها إلى إطلاق المبادرة الشهيرة، ثم إلى تمديدها لمرات وآجال بدت بلا نهاية وصولاً إلى توقيع النظام عليها. على أن ذلك الجزء من الموضوع ليس هو الأهم، الجزء الأهم هو معرفة تبعات ونتائج ذلك التوقيع على أطراف الأزمة، ومحاولة تحديد المسار المطلوب للثورة في المرحلة القادمة.
باختصار يمكنني أن أقول: إن توقيع النظام على المبادرة العربية وضع عبئاً ثقيلاً على جميع الأطراف، وإنها تواجه كلها اليوم امتحاناً من أصعب الامتحانات. هذه الجملة هي الخلاصة، وفيما يلي التفاصيل.

-1-

الأطراف الخارجية؛ العربية والدولية، تواجه اختباراً صعباً، فما هي خطوتها التالية إذا التزم النظام بشروط المبادرة؟ وماذا ستفعل إذا لم يلتزم؟ ألا تعرف تلك الأطراف أن النظام السوري لا يمكن أن يلتزم بالشروط وأنه قطعاً لن يلتزم بها؟ إن عليها أولاً أن توفر آلية دقيقة وصارمة لمتابعة بنود الاتفاقية، وعليها بعد ذلك أن ترصد المخالفات والخروقات التي ستكون أكثرَ من أن تُحصى، وعليها أخيراً أن تحسن التصرف وأن تعجّل بالرد.
وماذا لو تصرف النظام بطيش وحمق فاغتال بعض أعضاء فريق المراقبين ليُرعب الباقين فيقيّد حركتهم أو يدفعهم إلى المغادرة؟ ألم يفعل اليهودُ شيئاً مشابهاً ذات يوم حينما اغتالوا الوسيط الدولي (السويدي) الكونت برنادوت لقطع الطريق على هيئة الأمم وتثبيت دولتهم الغاصبة الناشئة على أرض فلسطين كأمر واقع لا يحتمل التفاوض ولا محل فيه للتنازلات؟ أليس النظام السوري أخبث وأسوأ من اليهود، بل وأكثر شراً ودهاء من إبليس؟ إذن فإن هذا الاحتمال قائم، وكل أنواع الاحتيالات والمساومات متوقعة ومحتمَلة أيضاً، فكيف سترد الجامعة العربية وكيف سيردّ المجتمع الدولي؟
هذا ما ستكشفه الأيام، ويغلب أن يكون كله في سياق سيناريو الحل الإجمالي الذي ناقشَته المقالة الماضية، حيث يُتوقّع أن يكون رد الفعل حاسماً جازماً وأن يُسحَب فريق المراقبين عند أول خطأ كبير يرتكبه النظام، وغالباً سينتقل الملف من فوره إلى مجلس الأمن ليبدأ من هناك مشروع الحسم الأخير.

-2-

النظام يعيش تحت ضغط شديد منذ اليوم الأول الذي طرح فيه العرب مبادرتهم، فهو لم يعتَدْ في تاريخه الطويل أن يتحرك تحت الضغط، وحتى حينما اضطر إلى ذلك -في مرات قليلة معدودة خلال أربعين عاماً من عمره المشؤوم- فقد استعجل بتحييد العنصر الضاغط حتى يستطيع أن يفكر ويتحرك بمعزل عن الضغط. صنع ذلك بلا تردد مهما كانت أخلاقيات الحل بشعة حتى بالنسبة لحلفائه المقربين، فصفّى العنصر الرئيسي في قضية اغتيال الحريري -غازي كنعان-، وسلّم أوجلان لتركيا عندما وصل التوتر بين البلدين إلى درجة ضاغطة لا هَزْل فيها، ولا يُستبعَد أن يكون عماد مغنية ومحمود المبحوح -رحمة الله على الثاني- من ضحايا هذه السياسة تحديداً؛ لست أنا من يظن ذلك بل محللون كثيرون ومطّلعون على خفايا وخبايا عالم السياسة والمخابرات. ثم إن بشار الأسد نفسه لم يُخفِ ذلك الاتجاه في السياسة السورية عندما قال بكلمات صريحة: "إنه لا يحب الاستجابة للضغط ولا يحب التعجل"، عَجّل الله فك رقبته عن كتفيه!
إذن، فإن مجرد بقاء النظام تحت الضغط الجاد والصارم أمرٌ منهك بالنسبة إليه، وهذا الضغط الطويل الذي لا يجد منه مخرجاً أمرٌ جديد لا سابقةَ له في تاريخه، فكما رأيتم فإنه خرج من الضغط في الماضي بالتضحية بأطراف يمكنه التضحية بها، إلا أن المطلوب هذه المرة هو تضحية أعلى بكثير لم يستطع قَبولها وبَلعها حتى اللحظة! إنكم تلاحظون ارتباكه وجهوده الحثيثة –والساذجة- لتحييد عوامل الضغط، أي شروط المبادرة، مع عدم الاستسلام الحقيقي لأي شرط منها، فهو يقوم بطلاء المدرعات وتبديل ألبسة العناصر ونقل المعتقلين من مكان إلى آخر… وكل ذلك مما تنظر إليه الثورة بعين اليقظة والانتباه ومما ستعمل على إحباطه -بإذن الله-.
هذا كله يزيد العبء على النظام، فقد اعتاد أن يعتقل ويقتل في الشوارع والمشافي والمعتقلات، وأن يقصف ويدمر ويسرق وينهب ويرتكب ما شاء من جرائم بلا رقيب ولا حسيب، وغداً سيوجد من يراقب ومن يحاسب، وهو قطعاً لا يريد أن يكفّ عن ارتكاب الجرائم، وهو قطعاً حريص على حبس الناس في البيوت ومنع الشلالات البشرية من التدفق على الشوارع والساحات، فكيف سيوفق بين هذا وهذا؟ لا شك أن العبء على النظام كبير وأن قادته لا يكادون ينامون، زادهم الله همّاً وغماً وكرباً ومعاناة.

-3-

الطرف الرابع الذي زاد عليه العبء بسبب توقيع النظام على المبادرة العربية هو الجيش الحر، فهو سيضطر إلى ضبط عملياته بحيث يقتصر على الدفاع البحت عن المدنيين في الحالات التي يثبت فيها اعتداء عصابات النظام على المدنيين العزّل، ويبدو لي أنه سوف يُضطر إلى وقف العمليات الهجومية بالكامل حتى لا يمنح النظام ذريعة لترويج رواية العصابات المسلحة.
سوف يتوجب على الجيش الحر أيضاً الالتزام الكامل بالزي العسكري الرسمي للسبب السابق نفسه، ينطبق ذلك على الجنود الأحرار الذين انشقّوا عن الجيش الأسدي كما ينطبق على المتطوعين الذين التحقوا بكتائبه.

-4-

المعارضة السورية السياسية -ممثَّلةً بالمجلس الوطني- تواجه امتحاناً صعباً وتحمل جزءاً كبيراً من العبء. حتى الآن لم يرقَ أداء المجلس إلى المستوى المطلوب، وأرجو أن لا أضايق بهذه الكلمة أحداً من أعضائه الكرام. أنا أدرك أنهم يعملون ويتحركون ويتّصلون ويجتمعون ويبحثون… إلى غير ذلك مما يصنعه المعارضون السياسيون في العادة، ولا أقلل من عملهم بالمقياس المطلق بل بمقياسين نسبيّين:(أ) قياساً إلى ما يجب أن يصنعوه، (ب) وقياساً بما يصنعه الثوار في الميدان. الثوار لا ينامون، فلا يحق لممثليهم أن يناموا. الثوار يسابقون الزمن ويواجهون التحديات بعزم وإبداع، فوجب على ممثليهم أن يسابقوا الزمن وأن يواجهوا التحديات بعزم وإبداع. باختصار: الثوار يصنعون المستحيل، فينبغي على ممثليهم أن يصنعوا المستحيل.
الدورة الماضية كانت دون المستوى، وقد قاربت على نهايتها وجاء وقت انتخاب قيادة جديدة -ألم يتفقوا على تجديد القيادة مرة كل ثلاثة شهور؟-، فلعل القيادة الجديدة تكون أكثر فاعلية وسرعة من سابقتها، وأشدد على الصفتين معاً، فالفاعلية تعني أن نرى نتائج حقيقية في الواقع، لأن العمل ليس مطلوباً لذاته مهما كان متقَناً، بل للنتيجة التي يوصِل إليها، أما السرعة فهي العنصر الحاسم الذي يصنع الفرق بين الموت والحياة بالنسبة للمئات أو للآلاف من أهلنا في سوريا.
المبادرة العربية زادت العبء على المجلس الوطني؛ لأنه هو المعني بمتابعة الوضع الميداني وبرصد مخالفات النظام، وبمقدار سرعته في الحركة وقدرته على التواصل والإقناع يمكن للجهات الدولية أن تدرك حجم انتهاكات النظام وتجاوزاته ومخالفاته لشروط المبادرة. باختصار: الأسابيع القادمة هي اختبار حقيقي للمجلس الوطني، وأرجو أن يتفوّق في هذا الامتحان على نفسه، وأن يُثبت أنه أهلٌ لقيادة المرحلة.
وبهذه المناسبة، وما دمت أتحدث عن المعارضة وعن المجلس الوطني وعن الدورة القيادية الجديدة المتوقَّعة، فاسمحوا لي بهمسة صغيرة في آذانكم يا معارضون: إن شعبنا الذي يواجه المحنة يرجو منكم الدعم النفسي وليس فقط الدعم السياسي، ومن بديهيات الدعم النفسي أن يشعر أنكم جزء منه وأنكم تمثلونه فعلاً وتنطقون بلسانه وتتحدثون بلغته. وهو شعب يلتمس العون والنصر من الله ويتوجه إليه في كل يوم، بل في كل لحظة، فلماذا تستثقلون ذكر الله وتتجنبون افتتاح لقاءاتكم ومداخلاتكم الإعلامية على الفضائيات باسمه؟ إن كنتم تخافون من الطائفية فإن الله الذي نذكر اسمه هو إله كل الطوائف، وإن كنتم تجاملون الغرب -لأنكم تحتاجون إلى دعمه واعترافه- فالغرب لن يزال يَحْذركم ويتوجس منكم حتى تَدَعوا دينكم وتاريخكم وانتماءكم إلى أمتكم جملةً واحدة، ولن تخدعوه بمجرد إسقاط اسم الله من تصريحاتكم واجتماعاتكم. على أن الغرب مضطر إلى التعامل معكم؛ لأنه لا يجد غيركم، فأروه عزة وكرامة ستنعكس على ثورتنا وعلى مستقبل بلادنا -بإذن الله-، ولا تُظهروا له الدّنيّة يرحمكم الله.

-5-

الطرف الأخير الذي سيزيد عليه العبء، بل الطرف الذي سيحمل الآن العبء الأكبر كما حمله خلال تسعة أشهر مضت، هذا الطرف هو جمهور الثورة نفسه، هو الثورة الشعبية في الميدان، هم الثوار الذين صنعوا -بفضل الله وبتوفيق الله- كل شيء مضى، والذين سيصنعون -بإذن الله وبعون الله- كل شيء آت. هذا الطرف لا أستطيع أن أتحدث عنه في ذيل مقالة بل يستحق مقالة خاصة مفصلة، وهي التي تأتي بعد هذه -إن شاء الله-.

المصدر: موقع الزلزال السوري

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع