مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3449
شـــــارك المادة
رسائل الثورة السورية المباركة (71): بعد المبادرة (1) النظام يوقع شهادة الوفاة
السؤال الذي يوجهه منذ ثلاثة أيام كلُّ واحد من جمهور الثورة وأنصارها إلى كل واحد هو: هل سيكون توقيع النظام السوري على المبادرة في صالحه أم في صالح الثورة؟ مما تابعته خلال الأيام الماضية أجد أن الأكثرية اختاروا الجواب الثاني، وأنا منهم. أحمد الله على أن التفاؤل عاد إلى الناس وأن الأمل أشرق في القلوب بعد شهور من اليأس والإحباط، وأسأله -تبارك وتعالى- أن يكون توقيعُ النظام على المبادرة هو توقيعَه على شهادة وفاته. لا بدّ أنكم قرأتم ما ذاع وانتشر على صفحات ومواقع الثورة منذ أيام، حيث يشبّه كثيرون فريقَ المراقبين الذي فرضته الجامعة العربية على النظام السوري بفريق المفتشين الذي فرضته الأمم المتحدة على النظام العراقي السابق، والذي كان هو البوابةَ التي دخل منها التحالف الغربي بحملته العسكرية وصولاً إلى إسقاط صدام حسين وإعدامه. هل بدا لكم هذا التشبيه مقنعاً؟ هو كذلك. لقد كانت فرق التفتيش هي فعلاً سبب سقوط نظام صدام، حتى إننا نستطيع القول بثقة إن مَن أوصل صدام إلى حبل المشنقة هما رولف إيكيوس ورتشارد بتلر، رئيسا فريق التفتيش، وليس الجنرال تومي فرانكس قائد القوات الأميركية في عملية الغزو. وكما صنعَت ذلك فرقُ التفتيش بصدام فالظاهر أنها سوف تصنع الأمر نفسه ببشار، على أننا نأمل أن لا يستغرق تنفيذ الخطة عندنا الوقتَ الطويل الذي استغرقه تنفيذُها في العراق، ونتمنى، بل نصرّ على أن يقوم بالجهد الرئيسي العسكري في العملية جيشُ سوريا الوطني الحر وليس أية قوة عسكرية أجنبية خارجية.
* * *
المعروف الآن أن إدارة الرئيس بوش اتخذت القرار بشنّ الحرب على نظام صدام حسين بمعزل عن النتائج التي يمكن أن يتوصل إليها فريق التفتيش الدولي، وأن ترتيبات الغزو النهائية كانت قد أُعِدّت وحُدّدت ساعةُ الصفر في الوقت الذي كانت فرق التفتيش تمارس أعمالها الروتينية داخل العراق، وعندما حان وقت الضربة صدرت الأوامر لأعضاء الفريق بالمغادرة وبدأت الحرب. يبدو أن إدارة أوباما استخرجت من الأدراج تلك الخطة وعزمت على تطبيقها في سوريا حرفياً تقريباً، هذا ما يقوله عدد من المراقبين والمحللين الذين يتابعون المشهد السوري عن كثب، وأنا مقتنع بما يقولون. لاحظوا أن الجامعة العربية بذلت جهد المستميت لكي تحمل النظام السوري على التوقيع، وكأن هذا التوقيع سيقدم حلاً سحرياً للأزمة المستعصية. الثوار الذين يعانون من الضغط والذين يواجهون منذ أسابيع حملات النظام القمعية الفظيعة اعتبروا أن الفرص المتكررة التي تمنحها الجامعة للنظام كانت فقط لتمييع القضية وإضاعة الوقت، من أجل ذلك أطلقوا على جمعتهم الأخيرة اسم: "الجامعة تقتلنا" ولقّبوها بجامعة المُهَل العربية. لكن هل كانت الجامعة تماطل لإضاعة الوقت فعلاً؟ لا يبدو ذلك، لأن الجامعة لا تتحرك تحركاً ذاتياً بل تتحرك على إيقاع الموقف الدولي، الغربي والأميركي تحديداً، وقد لاحظنا أن الإدارة الأميركية كانت تدفع الجامعة العربية طول الوقت باتجاه اعتماد المبادرة والحرص على إلزام النظام السوري بتوقيعها، ثم لاحظنا أن روسيا انضمت فجأة إلى المحور الغربي الذي يتبنى المبادرة ويدفع باتجاهها، حتى إن غالبية المحللين الذين تابعوا ملحمة الأسابيع الأخيرة يتفقون على أن الضغط الروسي المباشر هو الذي أجبر النظام السوري على التوقيع في نهاية المطاف، ولعلكم قرأتم ما أشيع عن الربط بين تغير الموقف الروسي والموافقة على انضمام روسيا إلى اتفاقية التجارة الحرة بعد ثماني عشرة سنة من الممانعة والمماطلة، أي أنها -باختصار- صفقة بيع وشراء، ولا يُستبعَد أن يكون هذا التحليل صحيحاً لأن الانقلاب الروسي ملفت للانتباه فعلاً. مما يؤكد النظرية القائلة بأن المبادرة العربية هي فخ وشرَك وقع فيه النظام ولن يخرج منه حياً -قياساً على تجربة فرق التفتيش في العراق-، أن الحكم على عمل فريق المراقبين قد صدر مسبقاً بالإدانة، فبدلاً من استقبال التوقيع على المبادرة العربية بالارتياح والتفاؤل والثناء على النظام السوري بادرت العواصمُ الغربية إلى التهديد والتشاؤم، في حركة استباقية ليس لها إلا تفسير ضمني واحد: "النظام السوري مخادع وغشاش لا يوثَق به ولا قيمةَ لتوقيعه، وإذن فلا مناص من ضربه وإسقاطه"! لقد سمعنا على الفور الرأي الفرنسي على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو: "للأسد سجل من نقض العهود، وأعمال العنف تُظهر أنه ينبغي عدم إضاعة الوقت". الولايات المتحدة أبدت فوراً تشككها في موافقة سوريا على المبادرة، وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأميركية فكتوريا نولاند: "أعطى النظام السوري وعوداً عديدة ثم أخلفها، لذلك فنحن لسنا مهتمين حقاً بالتوقيع على قصاصة ورق بقدر ما نريد خطوات لتنفيذ الالتزامات". ثم سمعنا تقريباً الكلمات نفسها على لسان الناطق باسم الحكومة الألمانية شتيفن زايبرت: "نتوقع أن تصبح أقوال الحكومة السورية أفعالاً على الفور"، فيما نُقل عن وزير الخارجية الألماني غيدو فسترفيلي قوله: "سنحكم على سوريا فقط على أفعالها لا على أقوالها، أي البدء فوراً في تنفيذ اتفاقها مع الجامعة العربية"، بل إنه كان أكثر تحديداً عندما عدّد الخطوات المطلوبة من النظام: "يجب وقف العنف وسحب الجيش والإفراج عن المعتقلين السياسيين والسماح بممر إنساني". وماذا صنع النظام بنفسه خلال الأيام الثلاثة الماضية؟ باختصار: لقد جنى على نفسه وقدّم سبباً إضافياً لتلك الدول لتستعجل بتحويل ملف الأزمة إلى مجلس الأمن، ودفع إلى تدويل الأزمة بعمل أهوج يستحق عليه "وسام الغباء من الدرجة الأولى"؛ فبعد الموقف الدولي الذي اتسم بالحذر والبرود في استقبال التوقيع جاءت المجزرة الكبرى في جبل الزاوية لتؤكد للجميع أن الأمل معدوم في تخلي النظام السوري عن القمع وأنه لن يتخلى عن الحل الأمني أبداً، وعلى الفور صدر عن الخارجية الفرنسية شجبٌ شديد اللهجة واصفاً مَقتلة الثلاثاء بأنها "مجزرة لا سابق لها" وداعياً الأسرة الدولية "إلى القيام بكل ما يمكن لوقف دوامة القتل التي يدفع بشار الأسد شعبَه إليها يومياً".
لكن لماذا وافق النظام على مبادرة الجامعة ووقّع عليها أخيراً بعد أسابيع من المماطلة والمراوغة؟ ألم يدرك أنها حبل سيلتفّ حول رقبته؟ بلى، أظن أنه يدرك، وأظن أنه لم يوقع إلا فراراً مما هو أسوأ. لقد أدرك النظام أخيراً أنه صار مكشوفَ الظهر حينما ضغطت عليه روسيا ضغطاً حقيقياً استمر لأكثر من أسبوعين، وحينما أعلنت روسيا -من تلقاء نفسها- عن مبادرة لتقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن يدين "استعمال القوة من طرفَي النزاع في سوريا" استقبل المجتمع الدولي تلك الخطوةَ بدهشة وارتياح، أما النظام السوري فقد استقبلها بفزع واعتبرها ناقوس خطر قُرع قرعاً يصمّ الآذان، ولم يستطع أن يتجاهل معانيه الخفية. في الوقت نفسه بدت لهجة الجامعة العربية جادة كما لم تكن في حياتها قط، وزاد الأمرَ سوءاً ما أعلنه رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري يوم السبت الماضي، حينما قال بكلمات واضحة لا تقبل التأويل أن الأزمة في طريقها إلى التدويل ما لم يتجاوب النظام السوري سريعاً، قائلاً إن الجامعة العربية تعتزم الطلب من مجلس الأمن الدولي تبني مبادرتها الخاصة بسوريا، وقال حرفياً: "لقد استنفدنا كل السبل وسنبحث في اجتماعنا المقبل التوجه إلى مجلس الأمن. الاجتماع القادم سيكون حاسماً، وآمل أن توقع دمشق قبل ذلك على المبادرة العربية وإلاّ فلا حول ولا قوة إلا بالله". وقد اعتبر المراقبون أن ذلك التصريح هو أقوى رسالة تحذير وُجّهت إلى النظام السوري منذ بداية الأزمة في سوريا. ولعل الإنذار الأخير الكبير وصل إلى النظام السوري عبر تصريحات رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال كارتن ديمبسي، التي قال فيها إن "كل الخيارات متاحة في التعامل مع الملف السوري، بما فيها الخيار العسكري". لا شك أن تلك الكلمات المقتضبة زادت الأمر سوءاً وأقنعت النظام بأن تدويل الأزمة بات على الأبواب، ومن ثم فلم يعد أمامه أي خيار سوى الموافقة والتوقيع. ولكن ما هي نتائج التوقيع، سواء على النظام أو على سائر أطراف الأزمة؟ الجواب يحتاج إلى تفصيل محلّه المقالة الآتية -بإذن الله-.
المصدر: موقع الزلزال السوري
فيصل القاسم
سلوى الوفائي
عبد المنعم زين الدين
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة