السيف الدمشقي
تصدير المادة
المشاهدات : 7090
شـــــارك المادة
كنت قد أشرت سابقاً إلى طبخة سياسية يجري إعدادها حالياً في دوائر صنع القرارات الدولية، وذلك في ما يتعلق بالملف السوري. ومع أني أشرت إلى أنه علينا إعادة توجيه البوصلة إلى الجهة الإلهية وذلك من منطلق إيماني بحت؛ أنه لن يستطيع العالم أجمع ولو اجتمع أن ينزع الملك عن أحد إلا بإرادة المولى - عز وجل -، وبالمقابل فلن يستطيع أهل الأرض جميعاً أن يجعلوا حاكماً يبقى على كرسيه إن أراد الله نزعه عنه، وبالمقابل علينا أن نعي تماماً أن الله –عز وجل- قادر على أن ينصرنا بالبَّر والفاجر، ومن هذا المنطلق توجهنا يجب أن يكون لله وحده ولن ننتظر المدد إلا منه. وهنا عدت بالذاكرة إلى سنوات طويلة عندما كنت طالباً وكنا ندرس مواد الاجتماعيات؛ تاريخ وجغرافيا والتربية الوطنية أو القومية، وناقشت يومها المدرس عما يتعلق بالأمم المتحدة، وسألته: إذا كانت الأمم المتحدة لا تفيدنا في شيء وكل قراراتها ضد العرب وفي صف إسرائيل، والدول العظمى لديها الفيتو، فلماذا نحن منضمين إليها وما الفائدة منها أصلاً؟ بالطبع لم يستطع المدرس إجابتي عن هذا السؤال الذي حيره أيضاً -على ما بدا لي حينها-، ولكني لم أتوقع أن أحصل على الإجابة بعد أكثر من عقدين من رأس الدولة في لقائه مع الصحفية الأمريكية باربرا إذ قال لها: "إنها لعبة نلعبها"!! نعم، إنها لعبة الأمم وهي السياسة الدولية التي يتم صناعتها في غرف مغلقة وتقوم الدول وسياسييها بتأدية أدوارهم فيها. وما يهمنا الآن من هذه اللعبة هي تأثيرها على الثورة السورية، فإن الطبخة السياسية التي يجري إعدادها حالياً تعتمد على مبدأ احتواء الثورة لتحقيق المصالح للدول والكيانات في منطقتنا، وعلى رأسها إسرائيل. لا يمكن لأحد أن يشكك في أن جميع الدول الغربية في العالم تضع أمن إسرائيل وضمان بقاءها من ضمن أولى أولوياتها. وعليه؛ إذا كان علينا أن نخوض في هذه اللعبة -وهو أمر وشر لا بدّ منه- أن نكون واعين لما يدبر لنا بليل، وأن نحاول فهم ما يجري من حولنا، من هذا المنطلق يجب علينا أن نطرح نحن الشعار التالي: سوريا ليست اليمن ولا مصر ولا ليبيا ولا تونس، وعليه فإن علينا أن لا نقبل بما قبل به الآخرون بسبب الاختلاف وليس انتقاصاً من أحد. نعم، إن كل نقطة دم سقطت في هذه الثورة من دماء السوريين نقطة غالية لا يعادلها شيء في هذا الوجود، ولهذا علينا احترام هذه الدماء، لم تسقط هذه الدماء لتذهب هدراً ويأتي من يضيعها، وهذا ما يجب أن نضعه في الحسبان ونصب أعيننا. فما هي معالم الطبخة؟ - عودة السفراء الأمريكي والفرنسي والبريطاني وغيرهم إلى سوريا لإعداد التقارير اللازمة لهذه المرحلة، وذلك بعد وصول الأمور إلى نقطة اللاعودة، وعدم إمكانية إسقاط النظام بدون تدخل خارجي -حسب رؤيتهم-، مع الأخذ بعين الاعتبار أن المنشقين من الجيش -الجيش الحر- وإن أصبحوا يشكلون عامل ضغط كبير على النظام إلا أن عددهم وإمكاناتهم لم ترق بعد إلى القدرة على إسقاط النظام بدون تدخل ومعونة خارجية وبالتالي إمكانية احتوائهم والتأثير عليهم. - التركيز على رحيل الأسد وعائلته وليس محاكمتهم، وهذا بدا في ما يلي: 1- أوصت مفوضة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة إحالة الملف إلى الجنائية الدولية، ولكن المحكمة الجنائية الدولية قالت: "إن الأمر بحاجة لقرار من مجلس الأمن وسوريا ليست عضواً في المحكمة الدولية"، مما يعني الدخول بنفس الدوامة ومواجهة العقبة الروسية الصينية. 2- باراك يتحدث عن رحيل عائلة الأسد وعائلته فقط، وأن دورهم قد انتهى ولا أحد يستطيع أن يعلم ماذا يمكن أن يتغير. 3- المالكي يتبنى دور الوسيط ويريد أن يرسل وفداً إلى سوريا لحل الأزمة ضمن بنود تطيل في عمر النظام أكثر، وهذا يتم بعد عودته من واشنطن. 4- الإعلان عن زيارة مرتقبة لفاروق الشرع -نائب الرئيس إلى روسيا- لبحث آفاق تسوية الأزمة وتأجيل الزيارة بعد أن قدمت روسيا مشروع قرار لمجلس الأمن يدين العنف من كل الأطراف -مساواة الضحية والجلاد-، وفي محاولة استباقية لأي أمر يمكن أن يتخذه أي طرف آخر. وهذا يعني إطالة عمر النظام أكثر فأكثر لحين نضوج الطبخة وتحقيق المصالح الروسية والمساومة عليها. 5- الاجتماع الذي حصل بين المسؤولين الأمنيين الإيرانيين والسعوديين على خلفية التوترات في القطيف السعودية والبحرين وارتباطها بالملف السوري، مع الأخذ بعين الاعتبار أن قرار الجامعة العربية الخاص بتعليق العضوية والعقوبات كانت السعودية من خلال تدخل الوزير سعود الفيصل الدافع والداعم الأول له. 6- قرار الجامعة تأجيل موعد الاجتماع الوزاري العربي إلى أجل لم يتم تحديده، وربما سيكون عقب القمة الخليجية القادمة خلال يومين والتي ستناقش الملف السوري، وهذا قد يؤدي إلى خروج الجامعة العربية والدول الخليجية بشكل يحفظ ماء الوجه وتسليم الملف إلى مجلس الأمن عن طريقها، وبالتالي نقل صورة الصراع بين النظام السوري والجامعة العربية ومن ورائها دول الخليج إلى المحاور الدولية، أي الدول الغربية من جهة؛ وروسيا والصين وبعض الدول الأخرى كإيران من جهة أخرى. ماذا يجب أن نحذر؟ الثورة السورية اليوم تحمل شقين أساسيين، وهما: - المظاهرات السلمية، والحراك السلمي المنظم كالإضرابات وغيرها. - والجيش السوري الحر الذي يقوم بحماية المظاهرات وتنفيذ عمليات ضد عصابات الأمن والشبيحة. أما الشق الأول: فهو لا عودة عنه مطلقاً، ولن تعود الناس إلى سابق عهدها قبل تحقيق الغاية؛ وهي إسقاط النظام، وليس إسقاط رؤوس النظام، فلا يخدعننا أحد بتسوية كتسوية اليمن وربما سيقول قائل: "الذي يده بالماء ليس كمن يده بالنار"، وأجيب كما تلقيت من على لسان أحد الثوار لما قلنا له ذلك، وإننا نخجل من أنفسنا، فأنتم الذي تدفعون الكلفة الباهظة من دمائكم، فقال: "أنتم تخشون علينا أكثر مما نخشى على أنفسنا، ومن ذاق عرف وقصد الحرية"، وقال: "نحن لا نريد سوى دعمكم ودعاءكم، ونحتاج إلى دعمكم المادي لدعم الأسر المنكوبة، وتأمين الدواء اللازم لعلاج الجرحى والمصابين". وأما الشق الثاني: فهو الجيش الحر، والذي ينبغي تقويته ودعمه بحيث يكون نواة عماد الجيش القادم لسوريا المحررة وليحمي هذه الثورة، ولا يجب أن نقبل بأي تسوية تقوم على تفكيكه أو مساواته بقوات وعصابات الأمن والجيش الحالي، ومهما كانت الأسباب مع عدم القبول بتدخل عسكري خارجي مباشر إلا بحدود ما يتطلبه الجيش الحر لتوسيع حركة الانشقاقات وتأمينه وتأمين عائلاتهم وكل ما يتعلق بهذا الأمر يقرره الجيش الحر بنفسه عبر قيادته. لذا يجب عدم القبول بأي تسوية تؤدي للعفو عن القتلة ومن أمر بإطلاق النار أو تورط في دعم القتل فقد تكون هذه التسوية بحجة الوحدة الوطنية وعدم الذهاب إلى حرب طائفية؛ لأنه إذا لم يتم هذا الأمر فإننا نكون كمن أزال القشرة المهترئة أصلاً وترك العفن بداخل الثمرة دون علاج. عاشت سورية حرة أبية.. وما النصر إلا من عند الله، نعم المولى ونعم النصير.
المصدر: موقع أرفلون نت
عبد الله حاتم
مصطفى كركوتي
بولنت أرانديتش
يحيى العريضي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة