مجاهد مأمون ديرانية
تصدير المادة
المشاهدات : 3493
شـــــارك المادة
تشعّبت بي سُبُل الكتابة وأدركت أني أسأت إلى نفسي حينما فتحت ملفات جديدة قبل أن أغلق القديمة التي شرعت بها، فهممت بكتابة مقالة أخيرة أختم بها مقالات الحرب وأقدّم فيها خلاصةً لما تجمّع بين يدي من معلومات وتصورات للحرب المتوقَّعة، عازماً على أن لا أعود إلى هذا الموضوع بعد ذلك إلا إذا جَدّ فيه ما يستحق الكتابة، فإني لا أجد في الجهد المبذول فيه فائدة ذات شأن، ولولا أني ألزمت نفسي به ووعدت عدداً من القراء بتكملته لتركته. على أني ما كدت أبدأ بالمقالة الجديدة (سيناريو الحرب) حتى وردني تعليق على المقالة السابقة من سائل يسألني: وهل أنت متأكد أصلاً أن الحرب كائنة حتى تكتب عنها؟ فقلت لنفسي: إنه مُحِقّ، الجواب عن هذا السؤال يسبق التفاصيل. السؤال الكبير الذي يسأله كل واحد اليوم هو: هل ستقع الحرب؟ والجواب هو: نعم ولا. بإيجاز وبعبارة مقتضَبة أقول: إذا لم تُحَلّ الأزمة المستعصية بطريقة غير الحرب فلا مناص من الحرب، لماذا؟ لأن التعليق مصير مرفوض تُجمِع كل الأطراف على رفضه كما يبدو، الشعبُ والنظام والجيران والمجتمع الدولي، على اختلافٍ بينهم في الأسلوب الأمثل لحل الأزمة؛ فالنظام يتوق إلى القضاء على الثورة وإعادة البلاد إلى ما كانت عليه يوم الرابع عشر من آذار، والثورة تريد إسقاط النظام ومحاكمته، والباقون حريصون على أي حل يحسم المشكلة ويحافظ على مصالحهم في سوريا والمنطقة. بعيداً عن الاختلاف بين هذا الفريق وذاك فإن الحسم وعدم التعليق هما محل إجماع، وهذه هي الفرضية الأولى. الفرضية الثانية: الثورة مصرّةٌ على إسقاط النظام وهي لن تستسلم مهما بلغت التضحيات، فقد انطلق قطارها على سكة بلا محطات ولن يقف إلا ببلوغ النهاية، محطة الحرية والاستقلال الكامل -إن شاء الله-. الفرضية الثالثة: الأطراف المعنية بالأزمة هي التالية: الثورة، والمجتمع الدولي، والنظام. وقد رتبتها في هذا السياق حسب قوّتها وتأثيرها في الأزمة وسيطرتها على الحل، من الأقوى إلى الأضعف. هل يبدو هذا الترتيب غريباً؟ لا، أبداً، فإن النظام الحاكم هو فعلاً الحلقة الأضعف في المعادلة الحالية والشعب الثائر هو الحلقة الأقوى، وبينهما الجماعة الدولية. الشعب هو الأقوى لأنه الوحيد الذي يملك مفتاح حل الأزمة، أي إنهاء الثورة وإعادة الاستقرار إلى سوريا. نحن نقف الآن على رأس تسعة أشهر من عمر الثورة، تسعة أشهر بذل فيها النظام كل ما يستطيع أن يبذله من جهد ولم ينجح في قمع الثورة، بل هو فشل حتى في محاصرتها وإبقائها في حجمها في أي وقت، فقد ظلّت الثورة تتمدد وتزداد انتشاراً وقوة باستمرار رغم جهود النظام الجبارة. سيوافقني كثيرون ممن يتابعون أخبار الثورة وتطوراتها متابعة دقيقة كما أفعل، وسوف يخالفني آخرون من الذين يلتهم التشاؤم قلوبَهم. لقد نشرت قبل يومين قائمة محدّثة تضم مواقع الثورة في أنحاء سوريا فبلغت ثلاثة أرباع ألف موقع، وقبل ذلك بثلاثة أشهر نشرت نسخة مبكرة من القائمة ذاتها وكان فيها ثلثا هذا العدد فقط. هذا من حيث عدد المواقع، أما زخم المظاهرات والحراك الثوري فإنه في ارتفاع مستمر، وقد استعادت أكثر المناطق التي ضربها النظام من قبلُ عافيتَها وعادت إلى سابق عهدها، في حوران والجزيرة وريف دمشق وإدلب وحمص وحماة… هل تعلمون أن حماة اليوم هي حماة الأمس ذات الجموع الهائلة، إلا أن جموعها تفرقت في الأحياء كما تفرقت جموعُ حمص في أحيائها بعدما ضرب النظامُ اعتصامَ الساعة الشهير؟ بارك الله فيهما وفي أنحاء سوريا الثائرة جميعاً. اعذروني لأني استطردت في هذه النقطة فقد غلبتني الحماسة وأفلت من يدي القلم، وأعترف بأني مسحور بقوة وعنفوان هذه الثورة الإعجازية التي تجاوزت حدود الخيال، ولولا أني أجتهد في حبس نفسي على موضوعي الذي أتحدث فيه لأفضت في الحديث عن ثورة سوريا العجيبة حتى أملأ الصفحات الطوال! نعم أيها السادة، الثورة هي الطرف الأقوى في المعادلة لأنها الوحيدة التي تملك مفتاح الحل، والنظام هو الطرف الأضعف لأنه فاشل يائس عاجز عن إخمادها وقمعها. إنه يحتل البلاد ويجتاح المدن ويعتقل الناس ويقتل وينكل ويرتكب كافة البشاعات والموبقات، ولكنه مع ذلك عاجز عن صنع أي شيء. منذ الأسبوع الثالث من أسابيع الثورة صارت المظاهرات ممارسة يومية في سوريا، ومنذ ذلك الحين لم يمرّ يوم من شروق شمس إلى غروبها بلا مظاهرات! لو كان النظام قوياً فعلاً لنجح في القضاء على الثورة في تسعة أشهر، أو لنجح على الأقل في تقليصها ومنعها من الانتشار والانفجار، وهو لم يفعل ولن يفعل -بإذن الله-.
* * *
إذا كان التعليق مرفوضاً فإن الحسم محتوم، وإذا كان الحسم محتوماً فإنه آتٍ بأي صورة كانت، وإذا كانت الثورة تقول إنها لن تتوقف قبل إسقاط النظام، وإذا كانت هي الطرفَ الأقوى فعلاً، فلا بدّ إذن أن يحقق أيُّ حسم شرطَها وأن يتوافق مع مطالبها، أو ببساطة: لا بدّ من إسقاط النظام لحسم الأزمة وإعادة الاستقرار إلى سوريا. وهنا نصل إلى النتيجة المهمة التي لخّصها عنوان المقالة: إذا أمكن إسقاط النظام بلا حرب فلن تقع حرب، وإذا لم يسقط النظام بلا حرب فلا مناص من الحرب لإسقاط النظام. هذه الجملة تفسر تقريباً كل ما نراه من تطورات خلال الأسابيع (بل والأشهر) الماضية وتَحلّ ما يبدو وكأنه جملة من المتناقضات؛ ففي حين تدل المؤشرات الظاهرة على أن المجتمع الغربي يدفع باتجاه الحرب ويحشد لها فإن التطورات الدبلوماسية المعلَنة والخفية تبدو وكأنها تمدّد للنظام الزمنَ أو تمهّد لحل توفيقي من نوع ما. الاتجاهان متعارضان في الظاهر، ولكنْ لا تعارضَ بينهما في الحقيقة، فإن إنهاء "حكم الأسد" صار هدفاً متفَقاً عليه وبقي التنفيذ، ولأن الحرب هي أكثر الحلول كلفة فليس غريباً أن يفكّر المجتمع الدولي في البدائل وأن يستنفد كافة الفرص قبل اللجوء إليها. ولكن ما هي تلك البدائل؟ هل هي نفسها الأهداف التي أعلنتها الثورة وسعت إليها على الدوام؟ أمام هذا السؤال الكبير نحتاج إلى وقفة كبيرة، بل وقفة كبيرة جداً، وإذا لم نفتح أعيننا جيداً ولم نكن في مستوى دهاء الساسة الكبار فسوف ننتهي مأكولين وسوف تنتهي ثورتنا بلا نصر حقيقي -لا قدّر الله-، وعندها سوف تضيع هباءً دماءُ آلاف الشهداء وعذاباتُ مئات الآلاف من المعتقلين والمصابين. إياكم أن يحصل ذلك، حذارِ أن يحصل ذلك يا أيها الثوار الأحرار. هذا كله يوصلنا إلى المؤامرة الكبرى التي بدأت تتسرب أخبارُها من وراء الكواليس مؤخراً، وبما أنني أعتبرها أخطر مؤامرة تتعرض لها الثورة على الإطلاق فسوف أخصص لها المقالة القادمة، وسأقول لكم مقدّماً إنها قد تكون أهم وأخطر مقالة أكتبها عن الثورة إلى هذا اليوم، وإني لو خُيِّرتُ بينها وبين كل ما كتبته من قبل لوافقت على التضحية بكل ما كتبته في سبيل نشرها على الناس.
موقع: الزلزال السوري
أنور قاسم الخضري
سعيد الحمصي
عماد الدين خيتي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة