..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مرصد الثورة

الكيس الأخير

حسام عدنان

٥ يوليو ٢٠١٧ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4290

الكيس الأخير
thumb.jpg

شـــــارك المادة

أيام الحصار الشديد التي مرت على الغوطة دفعتنا لتغيير كثير من سياساتنا الطبية، فبتنا نلغي كل عملية باردة ممكن تأجيلها حتى لو رافقها ألم للمريض خلال فترة انتظاره موعد جراحته، إضافة لاقتصار العلاج على الحالات الأشد مرضاً، مروراً بإيقاف استخدام السيرومات في حالات التخدير النصفي للقيصريات وإعاضته بشرب ماء مالح لرفع الضغط بعد القيصرية. كل ذلك كان بسبب الشح الشديد للأدوية والسيرومات وأكياس الدم.
إلا أن القرار الأصعب كان في أشد ساعات الحصار، وأذكر حينها أننا لم نمتلك سوى اثني عشر كيس دم بالمشفى، هي كل ما تبقى، واجتمعنا ليلاً كأطباء مسؤولين عن إنقاذ أرواح المدنيين بغوطتنا لنقرر ما سنفعله.
كان القرار القاسي الذي اجتمعنا عليه هو ترك الإصابات البليغة التي أمل نجاتها ضعيف، وذلك لعدم هدر ما تبقى من أكياس الدم ولإتاحة الفرصة أمام المرضى أصحاب الإصابات القابلة للحياة لتعويض الدم لديهم.
كان الاجتماع عصراً وتم الاتفاق بيننا على ذلك...
عدنا أدراجنا ليلاً وهممنا جميعنا بالنوم تمام الحادية عشرة، لم تمضِ ساعة إلا والممرض يوقظنا بوجود إصابة من المخيم ( وهو المكان الذي كان البعض يتسلل إليه لجلب كيلو من السكر أو ربطة خبز والكثير يدفع حياته ثمناً لرغيف الخبز ذاك بسبب ألغام زرعها النظام أو قناصته).
نزلنا جميعاً إلى قاعة العمليات فوجدنا طفلاً عمره لا يتجاوز الرابعة عشرة مصاب بانفجار لغم، وإصابته بليغة جداً وهو بحاجة لمعظم مخزوننا الدوائي وأكياس الدم.
نظرنا بأعين بعضنا واتفقنا على تركه لأن فرصته بالنجاة قليلة جداً
وعدنا للنوم..
كانت غرفتنا واسعة تضمنا جميعاً، ولم تمضِ دقيقة او اثنتان والكل يتقلب يمنة ويسرة في فراشه حتى جلس أحدنا يقظاً (وهو طبيب القلبية)  مؤرق العينين حاله حالنا وقال بصوت خافت:
هل تفكرون بما أفكر به..!!!
قفز الجميع من فراشه وقالوا بصوت واحد: نعم
وعلى الفور نزلنا جميعاً للعمليات.. طبيب الصدرية يجري جراحة الصدر ثم جراحة البطن، ثم الأوعية من نصيب طبيب الأوعية واستمرت الجراحة ساعات أربع استهلكنا فيها كل أكياس الدم لدينا.. واستشهد الطفل بين أيدينا...
عدنا بعد تلك الساعات الطوال وقد خسرنا الطفل وخسرنا معه كل أكياس الدم لدينا، إلا أنني أذكر يومها أنني نمت بعمق شديد وجميع إخواني ناموا وعلامة الرضا بادية على محياهم لأننا ببساطة.... لم نخسر إنسانيتنا..
يومها فقط شعرت بالرضا وتيقنت أن هنالك عوضاً من الكريم.
وصدقوني مع شروق أول شعاع شمس في اليوم التالي كان أحد الاخوة من الغوطة يطرق باب غرفتنا وبيده أربعون كيس دم.. سبحان الله!!!
حمدت ربي أننا ما ضيعنا الأمانة، وأن الله بعد أشد اللحظات بؤساً وضنكاً أرسل لنا فرجه... وهكذا ثورتنا..
ابذلوا كل ما عندكم اليوم.. ضحوا وقدموا فنحن تماماً باللحظات الأخيرة من ذلك الامتحان، وفرج الله قادم لامحالة..
خسرنا في ثورتنا الكثير، لكننا لم نخسر إنسانيتنا وقيمنا وإيماننا بوعد ربنا...
تمسكوا بذلك.. وثقوا بالكريم.. وأحسنوا الظن بربكم... تجدوا حسن ظنكم غداً فرجاً وفرحاً ونصراً بإذن الله..

 

تنسيقية دوما

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع