محمود المحمد
تصدير المادة
المشاهدات : 8230
شـــــارك المادة
"منذ عقود طويلة ونحن ندفع الثمن، كان الثمن غالياً مراراً وتكراراً. أود ممن يدفع الثمن الآن من دمه وبيته وماله بل وحتى عرضه أن يكون صاحياً، وأن يكون يقظاً متنبهاً كي لا يقع فيما وقع فيه بعض أبائنا من تسليم الثمرة لمن لم يدفع ثمناً لقطفها، نحن ننشد دولة العدل ننشد دولة الحقوق التي يسود فيها العدل وترجع الحقوق فيها إلى أصحابهاً"..
بهذه الكلمات يصف الشيخ المجاهد زهران علوش -تقبله الله- منهجه والهدف الذي يسعى لتحقيقه.. مولده ونشأته: ولد الشيخ زهران علوش في مدينة دوما في الغوطة الشرقية بريف دمشق عام 1971، وهو من أسرة عريقة ومعروفة بالتدين والالتزام الديني، والده هو الشيخ عبد الله علوش من مشايخ دوما المشهورين في ذلك الوقت والمعروف بالتمسك بمنهج أهل السنة والجماعة والدعوة إليه. تحصيله العلمي والشرعي: سلك محمد زهران درب العلم منذ الصغر اقتداء بوالده، فقرأ القرآن الكريم على والده وعلى بعض شيوخ بلده، وتلقى التعليم الشرعي عليهم، ثم التحق بكلية الشريعة في جامعة دمشق رغم تفوقه في الثانوية وحصوله على مجموع يؤهله دخول كليات الهندسة والطب؛ مفضلاً دراسة العلم الشرعي رغم اللوم الكبير والعتاب الذي لقيه من أهله وأقربائه، سافر محمد زهران إلى المملكة العربية السعودية وأكمل الدراسة في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة في كلية الحديث الشريف والدراسات الإسلامية، ثم بعد التخرج منها عاد إلى بلده ودرس الماجستير في كلية الشريعة بجامعة دمشق.
وخلال فترة وجوده في المملكة السعودية درس على عدد ممن يوصفون بكبار علماء الشريعة في الوقت الراهن ومنهم: الشيخ محمد ناصر الدين الالباني، والشيخ عبدالعزيز بن باز، والشيخ محمد بن صالح العثيمين، والشيخ عبد الله بن عقيل والشيخ عبد المحسن العباد البدر والشيخ عبد الله الغنيمان والشيخ محمد بن محمد المختار الشنقيطي والشيخ أحمد الددو الشنقيطي. ولعل الكثير لا يعلم عن الشيخ أنه رياضي بامتياز؛ فهو حاصل على بطولة الجمهورية في الكاراتيه مرتين.
اعتقاله في سجون نظام أسد: سببت له النشاطات الدعوية التي كان يمارسها في سورية ملاحقات أمنية عديدة، بدأت عام 1987 وانتهت بتوقيفه بداية سنة 2009 من قبل أحد أفرع المخابرات السورية، ومن ثم في سجن صيدنايا العسكري الأول،وقد تنقل الشيخ رحمه الله خلال فترة سجنه بين الأفرع الأمنية كافة، وكان معروفاً بمواقفه الصلبة في السجن حتى مع سجانيه لدرجة أنه كان يصارحهم بأنهم أعداء للدين وأنهم بأفعالهم هذه يحاربون الإسلام دون خوف منهم أو مواربة، وقد ناله من الأذى في السجن الشيء الكثير نتيجة مواقفه هذه، كما واصل التعليم والدعوة إلى الله في السجن وخاصة التصدي لأفكار الغلو، إلى أن أطلق سراحه في آذار عام 2011.
إصراره وثباته في الدعوة:
يروي أحد طلبة الشيخ -تقبله الله- حادثة حصلت معهم قبل الثورة بسنوات، حيث يذكر الشخص أنه في إحدى الأيام وبينما كان يعطي الشيخ دروساً لبعض الطلبة في أحد بيوتهم خفية اعتقل الأمن الشيخ تقبله الله، وقد وصل الخبر للطلبة، وفي اليوم الثاني حيث كان موعد الدرس المقرر، ذهب بعض الطلاب خفية إلى حيث مكان الدرس وهم يترقبون، ولكنهم لم يذهبوا لحضور الدرس كما يقول الأخ، وإنما ذهبوا ليحذروا صاحب البيت وبقية الطلبة الذين لم يصلهم خبر اعتقال الشيخ، وحينما وصلوا إلى البيت ودخلوا تفاجؤوا بالشيخ زهران هناك وقد جاء حاملاً معه كتابه، فذهل الطلاب، وسألوه: ألم تكن معتقلاً، فأخبرهم بأن الأمن اعتقله يوم أمس وأخرجه اليوم، وقد جاء من المعتقل مباشرة إلى الدرس كي لا يفوته، فجلس وأعطاهم الدرس كما هو مقرر وهم في حالة ذهول من جرأته وعزيمته.
4 سنوات من الجهاد على أرض الشام: خرج من السجن في 22 يونيو 2011 أي بعد بداية الثورة بثلاثة أشهر، فانخرط في العمل المسلح منذ بداية تسليح الثورة السورية وأسس تشكيلاً عسكرياً لقتال النظام السوري باسم "سرية الإسلام" وكان عدد أفرادها آنذاك 14 شخصاً فقط، وكان عملها مقتصراً على تنفيذ العمليات النوعية ضد النظام. ثم تطوّر مع ازدياد أعداد مقاتليه ليصبح "لواء الإسلام". وفي أيلول 2013 أعلن عن توحّد "43 لواء وفصيل وكتيبة في كيان "جيش الإسلام" الذي كان يعد وقتها أكبر تشكيل عسكري معارض، وكان يقوده علوش، قبل أن ينضم هذا الجيش إلى الجبهة الإسلامية التي يشغل فيها علوش منصب القائد العسكري العام. ركز الشيخ -تقبله الله- على التربية العقدية للمجاهدين في صفوف جيشه، بالإضافة إلى تمارين اللياقة البدنية والتدريبات العسكرية، وتكون الجيش إداريا من مجلس قيادة و26 مكتبا إداريا و64 كتيبة عسكرية،وانتشر في مناطق كثيرة من سورية، وقد شارك في كثير من العمليات العسكرية في مختلف المدن السورية(منها تحرير كتيبة الباتشورة للدفاع الجوي بالغوطة الشرقية وتحرير الفوج 274 ثاني فوج عسكري للنظام السوري وتحرير رحبة إصلاح المركبات الثقيلة وقاعدة الجيش السوري وكتيبة المستودعات وكتيبة البطاريات وكتيبة الاشارة والدفاع الجوي وغيرها) كان من أوائل من حذر من تسلل أفكار الغلو والغلاة للثورة السورية وعمل مع مشايخ الغوطة على تحصين جيش الاسلام منها. وكان موقفه واضحاً من تنظيم داعش حيث قام باستئصالها من الغوطة التي تعتبر أول منطقة في سوريا تتطهر منهم. قبيل استشهاده خاض الشيخ مع جيشه معركة الله غالب ، سيطر خلالها على الجبال المحيطة بالغوطة الشرقية و كبد النظام مئات الآليات و القتلى و المرتزقة الشيعة ، قبل أن يضطر للانسحاب بسبب القصف الروسي الهيستيري الذي لحق بالمجاهدين في نقاط تمركزهم ، فعقيدة الشيخ و خوفه على شباب الجيش لا يسمحان له بالتمركز في جبهة لا نتيجة مرجوة منها غير الموت . ثم انتقل الشيخ للدفاع عن الغوطة من بوابة المرج ، و هي تخوض حتى اللحظة أشرس المعارك ضد النظام و مرتزقته . استشهاده: استشهد الشيخ زهران علوش مساء الجمعة 25-12-2015 بقصف روسي على إحدى جبهات الغوطة واستشهد معه مرافقاه أبو محمد معاذ آدم وأبو هيثم الدرة، بعد مسيرة حافلة بالعلم والدعوة والجهاد في أرض الشام، وبعد أكثر من أربع سنوات قضاها في مقارعة العدو الأسدي؛ وفي صد الغلاة والخوارج.
القوى الثورية والعسكرية والمؤسسات الشرعية والمدنية في سورية تعزي باستشهاده: نعت معظم القوة العسكرية السورية والهيئات الشرعية والشخصيات الثورية القائد زهران علوش؛ قائد جيش الإسلام؛ وثلة من الثوار القادة؛ الذين قضوا اليوم في جريمة غادرة، نفذتها طائرات العدو الروسي في ريف دمشق، حيث اعتبر الائتلاف أن هذه الجريمة جاءت بعد أيام من مؤتمر قوى الثورة والمعارضة في الرياض، والذي أكد الالتزام بالحلِّ السياسي، ووقعته القوى العسكرية المشاركة، ومنها جيش الإسلام. مؤكداً في الوقت ذاته أن ما تقوم به روسيا الغازية اليوم؛ يمثل خدمة واضحة للإرهاب وتنظيم "داعش"، بضرب وإضعاف فصائل الجيش الحرِّ التي تصدَّت للإرهاب وقوَّضت أركانه، ومحاولةٌ جليَّة لإجهاض جهود الأمم المتحدة للعودة إلى مسار التسوية السياسية، كما نعت حركة أحرار الشام وفصائل حلب العسكرية وفصائل الجبهة الجنوبية والألوية والتشكيلات العسكرية في الغوطة القائد -تقبله الله- معتبرة أن هذا مصاب سورية بأكملها وليس مصاب جيش الإسلام فقط، في حين أكد المجلس الإسلامي السوري وهيئة الشام الإسلامية ودار العدل في حوران وعدة جهات ثورية على أن الثورة ماضية في تحقيق أهدافها ولن تتوقف بموت شهيد أو قائد، كما نعت أيضاً شخصيات عربية وإسلامية الشيخ الشهيد، وعبرت عن مصابها وألمها لاستشهاده مؤكدة وقوفها إلى جانب الشعب السوري في ثورته. قالوا عن الشيخ -تقبله الله- : شهد استشهاد الشيخ زهران -تقبله الله- تفاعلاً كبيراً في الداخل السوري وفي العالمين العربي والإسلامي، حيث نعى الكثير من العلماء والدعاة والمثقفين الشيخ على صفحاتهم وعبروا عن ألمهم لاستشهاده، حيث كتب د.يوسف القرضاوي معزياً: رحم الله الشهيد زهران علوش قائد جيش الإسلام ونصر الله المجاهدين في سبيل حريتهم وكرامتهم وزلزل الله عروش من تآمر على الشعب السوري زهران علوش . وكتب الداعية د.عوض القرني على حسابه في تويتر: عاش رحمه الله بين سجون ومناف وجهاد لأجل دينه وأمته جمع بين صفاء ونقاء ولطف وعلم بطل شجاع وقائد مبدع وإداري ناجح، أما الداعية الدكتور محمد العريفي فقد نشر تغريدة على حسابه في تويتر: إنا لله وإنا إليه راجعون، ربّ تقبله شهيداً واحفظ أهلنا في الشام، واجمع كلمتهم على السبيل الصحيح والهَدي الذي ترضاه. واعتبر شيخ قراء بلاد الشام الشيخ كريم راجح أن استشهاد الشيخ لن ينهي الثورة بل سيزيد نارها اضطراماً، حيث قال: ونحن رغم حزننا العميق على استشهاد هذا البطل (زهران علوش) ولكننا كما قال الشاعر: إذا مات منا سيّدٌ قام سيّدٌ، وسترون أيها الأوغاد الروس ، وأيها الأوغاد (داعش) ، وأيها الأوغاد الفرس الشيعة؛ سترون منّا أبطالاً وأبطالا، بل قوافل من الأبطال تردّكم على أعقابكم. أما الشاعر د. عبد الرحمن العشماوي فقد كتب قصيدة في رثاء الشيخ قال فيها: نقلوكَ ما قتلوكَ يا زهرانُ هذا الذي يَسمو به الإنسانُ هي تلكَ إحدى الحُسنَيَيْنِ وإنّما لكَ رِبْحُها ولروسيا الخُسرانُ منحوك أجملَ ما أردْتَ وربّما منحَ المجاهدَ قَصْدَه العُدوانُ ما روسيا إلا القوانينُ التي وضعَ البُغاةُ، وصاغها الطُغيانُ في شامِنا اشتعلتْ مَواقدُ حقدِها وبها تَلَظّتْ بيننا النيرانُ وهناكَ في أرض العراقِ لَهيبُها من ظُلمِ أمريكا عليهِ بَيانُ وهناكَ في الأقصى يجور يَهودُها وتَجورُ في أحوازِها إيرانُ وعلى جبالِ البُـنِّ في يمَنِ العُلا والمجدِ ثارَ من الأسى بُركانُ إني لأرجو أن تكون شهادةً نزلتْ بها الرّحَماتُ والغُفرانُ في يومِ جُمعتِنا المبارَكِ نِلْتَها خضراءَ تُورِقُ حولَها الأغصانُ عزّيتُ فيكَ الشامَ حَسْرَةُ قلبِها تغلي ودمعُ عيونِها هتّانُ عزّيتُ صَحْبَكَ داعياً ومُؤمِّناً ألّا يُفرِّقَ بينَهم شيطانُ عزّيتُ أهلَك فيك بل هنّأتُهم بشهادةٍ يَرقى بها الوُجدانُ لكَ يا ابنَ عَلّوشٍ لآليءُ تاجِها ولشانئيك مَذَلّةٌ وهَوانُ
وكتب الباحث ماهر عرقسوسي قصيدة رثاء أيضاً قال فيها: ورحلتَ يا زهرانُ دمعُ الشام هَتّان هطولْ ورحلتَ ترتجفُ المشاعرُ، لستُ أدري ما أقول شمسٌ أشعّتْ في البلاد أصابَها اليومَ الأفولْ جبلٌ، شموخٌ في السما، والأرضُ أعمقُ في الأصولْ
قد كنتَ يا زهرانُ نورًا ساطعا قد كنتَ نجمًا في الليالي لامعا قد كان سيفُكَ قاطعا قد كان بُردُكَ جامعا كم ذاق أوباشُ الأعادي من لظاكَ مدافعا ولكم ضربتَهمُ بسوط العزّ ضربًا لاذعا عرفتكَ ساحات الوغى إذ كنتَ فيها بارعا
زهرانُ ماتَ ودربُه ما زال يسلُكها الأسودْ زهرانُ ماتَ، ولم تمت فينا العزيمة والصمودْ لا نستكين لجُرحِنا مهما تكاثرتِ الجراحْ ولنا دمٌ في كلّ ساحْ ونظلّ نشمَخُ في وجوه الظالمينَ نريهمُ معنى الكفاحْ
يا أيها الجيشُ المباركُ في الجهاد تقدّمِ يا جندَ فسطاط الملاحم لا تهنْ لا توجمِ ظنّوا بأنّا إن يمتْ زهرانُ نضعُفُ أو نلينْ ظنّوا بأنّا إن يمتْ، نُخلف مواثيق اليمينْ يا روسيا، والله إنّكِ تحلُمينْ!
في سوريا مليون زهران جديدْ في سوريا يُحيي الرجالَ دمُ الشهيدْ هذي الجبالُ من الحديدْ هذي الأشاوسُ لن تحيدْ والحقُّ منصورٌ بأمر الله ذي البطش الشديدْ
غداف راجح
أسرة التحرير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة