محمد ياسر الطباع
تصدير المادة
المشاهدات : 11765
شـــــارك المادة
اقتربنا من مبنى صغير مكون من غرفتين فقط وسط قرية شبه مهجورة يحيط بها ريف صحراوي ... لا شيء يلفت النظر سوى أن القرية تبعد بضع أميال فقط من جبهة مشتعلة اسمها مورك .
هذا المبنى هو مركز إسعاف العطشان التابع للمنظومة الإسعافية لريف حماة والتي أسستها وتدعمها الرابطة الطبية للمغتربين السوريين (سيما)
غرفتان فقط، في إحداهما سرير إسعاف وطاولة وخزانة صغيرة فيها بعض الضماد والشاش والأدوية ، وفي الثانية جهاز راديو لاستقبال موجات اللاسلكي وعدة إعداد القهوة والشاي .
كان فيهما ثمانية شباب، منهم ٣ سائقين و ٣ مسعفين، وممرضين . مهمتهم الوحيدة في تلك البرية الجافة القاسية هو إسعاف جرحى القصف والمعارك . يترقبون الطلعات الجوية وينتظرون الإشارة بعد أي حادثة قصف لينطلقوا بإحدى سيارتي الإسعاف المجهزتين فيخلوا الجرحى لأقرب مشفى ميداني .
شرح لي الشباب مع كأس من الشاي الغامق شديد الحلاوة طبيعة عملهم وتحدياته وتصميمهم على الثبات عليه . فسألتهم ، ماذا يلزمكم هنا ؟ فقال لي رئيسهم ، نريد جهاز لاسلكي أكثر تطوراً ، ونريد مبلغاً بسيطاً من المال بحدود الألف دولار لحفر ملجأ صغير بجانب المركز للنزول إليه وقت القصف فأقرب قبو يبعد مائة وخمسين متراً وقد لا يكون لدينا وقت كاف للوصول إليه عند اقتراب الطيران العسكري . وبعد أن تحدثنا لنصف ساعة استأذنتهم بالمغادرة لإكمال جولتي وأزور النقطة التي تليها في الحوايس .
سألت مدير المنظومة وأنا أغادر عن رواتبهم فقال لي " راتب الواحد منهم ٢٠٠ دولار في الشهر " كان العيد على الأبواب فأعطيت المدير مبلغاً وقلت له أرجو أن تشكرهم على جهودهم الطيبة وتخبرهم أن لكل رجل فاضل منهم مائة دولار هدية من سيما و اعتذر لي منهم على التقصير فذلك لا يفيهم حقهم في أي حال . وأوصيتهم بحفر ذلك الملجأ . وانطلقنا ... وفي صباح اليوم التالي أخبرني أبو الريم مدير المنظومة أنهم اتصلوا به مساءً بعد أن غادرناهم واقترحوا عليه أن يضعوا كل ما وصلهم في صندوق لعلهم يستطيعون جمع مبلغ من المال يكفي لشراء سيارة إسعاف ثالثة .
يتساءل البعض ... " كيف لم يفلح جيش الأسد ولا مرتزقة الشيعة ولا حثالة الأرض في قمع هذه الثورة ؟ " الجواب حقيقة عند هؤلاء الشباب .
أرجو أن نتذكر ونحن نحتفل اليوم بالانتصارات في جبهة مورك على جيش الأسد ومن ورائه الروس أن خلف كل مقاتل بسلاحه يوجد مجاهد آخر يقف خلفه بطبه و ضماده، ولا غنى للأول عن الآخر ...
اليوم وفي خضم الأخبار الطيبة وصلني خبر أن مركز إسعاف العطشان الذي يخدم تلك المعركة قد تم استهدافه بالقصف الروسي وتدمر ولكن لم يصب أحد من الشباب بأذى والحمد لله . وصلني أنهم لن يتوقفوا عن عملهم ولكن أرسلوا في طلب خيمتين تقيهم الشمس والغبار فقط .
طوبى لمن كان معهم، وطوبى لمن وفقه الله لخدمتهم .
فرنس برس
أنور مالك
فارس الرفاعي
حذيفة عبد الله عزام
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة