ديفيد بارشارد
تصدير المادة
المشاهدات : 7780
شـــــارك المادة
يبدو أن القادة الأتراك قد وضعوا أنفسهم في موقف صعب جدا وحشروا أنفسهم في الزاوية فيما يتعلق بالصراع الكردي, حيث يمكننا القول أن مصائب قوم عند قوم فوائد وهذه المرة المتطرفون هم المستفيدون الوحيدون من تجدد الصراع.
لقد بدأت عملية السلام التركية مع حزب العمال الكردستاني في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2013وذلك بعد مضي أربع عقود تقريبا على هذا الصراع, حيث قدرت بعض الجهات أن ما يقارب 40 ألف روح زهقت.
وأخيراً وصلت عملية السلام بين الطرفين إلى نهاية الطريق وذلك عندما أعلن الرئيس التركي رجب طيب أوردوغان وفاتها رسمياً يوم الثلاثاء هذا الأسبوع, كما أشار أوردوغان إلى أن الحكومة التركية تنوي هذه الأيام إطلاق حملة ملاحقات قضائية ضد مؤيدو حزب الشعب الديمقراطي وقائده صلاح الدين دميرطاش.
ونتساءل كيف لأمر يبدو للجميع أن فيه فسحة من الأمل ينتهي بهذه الكارثة المفاجئة؟ والإجابة المختصرة على هذا التساؤل تكمن في ما شهدناه من الأعداد الكبيرة من جرائم القتل المتعمدة والتي حدثت في شرقي تركيا حيث بدأت عندما قتل 32 طالب من النشطاء اليساريين في حادث انفجار قنبلة في مدينة سروج وذلك أثناء توجههم إلى عين العرب ،"كوباني"،في يوم الاثنين 20 يوليو 2015.
وبالنسبة لنشطاء حزب العمال الكردستاني فإنهم يتهمون حزب العدالة والتنمية التركي بدعم تنظيم "داعش" الأمر الذي ينفيه حزب العدالة وبشدة. وبناءاً على ما حدث فإن حزب العمال الكردستاني يلقي باللوم على الحكومة التركية بشأن ما حدث وبالتالي بدأ بالانتقام عن طريق قتل أفراد الشرطة التركية. وبعد ذلك شهدت البلاد مقتل خمسة من أفراد الجيش والشرطة التركية على يد حزب العمال الكردستاني في تتابع سريع للأحداث. إن صبر الحكومة التركية حيال ما يجري بدأ ينفذ وبالتالي بدأت ساعة الانتقام تدق على شكل غارات جوية متكررة ضد أهداف لحزب العمال الكردستاني في جنوب شرق تركيا وشمال العراق.
إن ما حدث قد أدى بدوره إلى نشوب اضطراب أمني واسع النطاق ومزيد من عمليات القتل وسط المناطق الجنوبية الشرقية في البلاد والتي تقطننها أغلبية كردية. كما أن ما أثار القلق وبشكل كبير لدي الجميع هو عملية تفجير خط أنابيب البترول الواصل بين كركوك واسكندرون والبالغ طوله 960 كيلومتر والذي ينقل عبره الحصة الأكبر من البترول العراقي المصدر إلى الخارج, حيث تم تفجيره يوم الثلاثاء في الجانب التركي على الحدود التركية العراقية, كما قام متطرفون عراقيون بمهاجمة الخط في الماضي ولكن ذلك العمل بدا وكأنه بفعل أيادي كردية.
إن هذا التفسير هو التفسير المقبول لدى حلفاء تركيا من دول الغرب وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية. وتصر وزارة الخارجية بأنه ليس بمحض الصدفة أن تبدأ الغارات الجوية بعد ساعات من توقيع تركيا على اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية يسمح لها باستخدام قواعدها الجوية لشن غارات جوية ضد تنظيم "داعش" في شمال سوريا والعراق. وتقول الولايات المتحدة بأنها لا علم لها بأي شيء حيال هذه الغارات ولا أحد قام باستشارتها أو إعلامها بالأمر ولكن تركيا لديها الحق بمهاجمة الإرهابيين.
وعلى الرغم من الشكوك الموجودة لدى الصحفيين وحتى لدى الكوميديين على القنوات التلفزيونية إلا أن الإصرار الأمريكي على هذه النقطة يعكس مدى قلق الإدارة الأمريكية حيث أن إمكانية الوصول إلى القواعد التركية يعتبر مكسب كبير جداً في الحرب ضد "داعش" ليتم المخاطرة به. إن بعض الأتراك يقفون جنباً إلى جنب مع حزب الشعب الديمقراطي زاعمين بأن الحكومة التركية توجه ضربة جوية لحزب العمال الكردستاني وذلك من أجل أن تكون قادرة على الوصول بالبلاد إلى إجراء انتخابات مبكرة في الخريف القادم وذلك وسط دعم القوميين والذي من شانه أن يؤدي إلى استعادة قوة الرئيس رجب طيب أوردوغان وحصوله على الأغلبية المطلقة من خلال التجمع.
إن أحد البنود الأساسية لمثل تلك الإستراتيجية في حال وجدت يتمثل في إقصاء حزب الشعوب الديمقراطي من الحصول على مقاعد في البرلمان في الدورة القادمة. وبموجب النظام الإنتخابي فإن ذلك يعني حصول حزب العدالة والتنمية على العديد من المقاعد حيث يتكون البرلمان من ثلاثة أحزاب. إن النكسة التي تعرض لها حزب العدالة والتنمية في الانتخابات التركية كانت بسبب تفوق حزب الشعب الديمقراطي وفوزه بنسبة 13% من الأصوات وهي المرة الأولى التي يترشح فيها الحزب للانتخابات, جدير بالذكر أن هزيمة حزب العدالة والتنمية لم تكن هزيمة كاملة في شهر يونيو وذلك لحصوله على نسبة 41 بالمائة من الأصوات.
إن القرار الذي أعلنه الرئيس أردوغان مؤخراً والذي يتضمن رفع الحصانة الدبلوماسية عن برلمانيين من حزب الشعوب الديمقراطي ومقاضاتهم بتهمة دعم " الإرهاب" من شأنه أن يؤدي إلى جعل ذلك السيناريو هو الأقرب على الساحة. ومن المقرر أن يقوم البرلمان التركي بالتصويت على قرار رفع الحصانة الدبلوماسية عن صلاح الدين دميرطاش وهو زعيم حزب الشعب الديمقراطي اليساري الكردي, ولأنه لم يعترض على القرار فإن الخطوات تسير واثقة نحو تنفيذه. وكما حدث في السابق مع البرلمانيين الأكراد في تركيا فإنه وفي حال تم القبض عليه ومحاكمته فإن حزب الشعوب الديمقراطي قد يفقد و ربما لسنوات الشخصية الوحيدة ذات الكاريزما لديه والتي تعتبر الصوت الأساسي الذي يتحدث باسمها. وفي عام 1994 شهدت تركيا ملاحقة قضائية مشابهة نتج عنها حبس عدد من البرلمانيين الأتراك من ذوي الأصول الكردية لعشر سنوات.
كل ذلك جعلنا نرى وبوضوح بأن تركيا في واقع الأمر تبحر هذه الأيام في مياه مضطربة وأن الفرصة التي أمامها تبدو ضئيلة لكي تجد حل سياسي للصراعات التي تزلزل مقاطعاتها الشرقية. كما نشهد أيضاً مخاطر صراع طائفي ينشأ في تلك المنطقة حيث شهدت مدينة أرضروم في شرق تركيا والتي تتميز بأنها مدينة محافظة, شهدت حادثة كانت الشرطة التركية مجبرة حيالها للتدخل لوقف عملية إعدام 200 عامل بناء كردي كان سينفذها السكان المحليون هناك.
ولكن كيف تدهورت العملية السياسية وبشكل كامل؟! إننا نشهد هذه الأيام حرباً كلامية واتهامات متبادلة بين كل من حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الديمقراطي. لقد وصف دميرطاش أمس كيف أن حزب الشعوب الديمقراطي قام بدور الوسيط بين الحكومة التركية وبين زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبد الله أوجلان. إن القضية الرئيسية كانت تتمحور حول رحيل مقاتلي حزب العمال الكردستاني من تركيا. لقد أكد حزب العدالة والتنمية بأن الأكراد راوغوا وتهربوا من التزاماتهم. يقول حزب الشعوب الديمقراطي بأن الحكومة التركية كانت قد وعدتهم بإقرار قانون خاص يكفل حمايتهم أثناء الانسحاب ولكنها لم تفي بوعدها لهم. كما أن هناك روايات متضاربة تتحدث عن الأخطاء التي ارتكبت عندما وصل الجانبين إلى اتفاق في نهاية عام 2014 أثناء المحادثات التي أجريت في قصر دولمه باهتشه في اسطنبول حيث بدت الأجواء وكأنها تسير نحو مرحلة جديدة من الأمل في ذلك الوقت. ربما كانت المشكلة الأساسية تكمن في أن الأكراد كانوا يصرون على أمور لا يمكن لأي حكومة تركية أن تقدمها لهم والتي تتمثل في إطلاق سراح عبد الله أوجلان ومنحهم حكم ذاتي في الإقليم وإنشاء مدارس للغة الكردية.
ربما قد تكون الأوضاع أقل ضرراً لو أن الحكومة التركية لم ترفض أن تلعب بالورقة الأكبر لديها وهو أن تطلب من زعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان بمناشدة أتباعه للقبول بالسلام. إن الوزير يالتشن اكدوغان وهو المسئول عن المفاوضات التركية التي بدأت منذ شهر أغسطس لعام 2014 قد بدا وكأنه رجل متشدد لدرجة كبيرة. أما أوجلان الذي تم وضعه في الحبس الانفرادي في الأشهر الأخيرة فقد حرم من الاتصال مع حزب الشعوب الديمقراطي ومحاميه. وسواء كان ذلك العمل مقصوداً أو غير ذلك فإنه يعزز ويقوي وبشكل كبير يد مقاتلي حزب العمال الكردستاني المتعصبين والذين يرغبون بالعودة سريعاً إلى الصراع المسلح.
وبالنظر إلى ما يحدث هذه الأيام فإن دميرطاش مازال يقول بأنه وفي حال تحقق وقف إطلاق النار فإن هناك إمكانية لتجدد المحادثات, ولكن حزب العدالة والتنمية يقول بأنه سيقاتل حتى النهاية ضد الإرهاب ( حيث أنه وبموجب القانون العسكري في تركيا فإن كلمات مثل" إرهاب" يتم استخدامها بدلاً من الأسماء التنظيمية), ويقول الرئيس أوردوغان بأنه لا يوجد أحد بين الثمانية والسبعين مليون مواطن تركي يستطيع أن يتوقع أن يتم إعطائه حقوق أكثر.
وبالرغم من الدعم القوي الذي تتلقاه السلطات التركية من واشنطن وبروكسل و حلف الناتو إلا أنه يبدو أن السلطات التركية قد وضعت نفسها في مأزق ووضع صعب حيال الصراع الكردي حيث يمكننا القول أن مصائب قوم عند قوم فوائد وهذه المرة المتطرفون هم المستفيدون الوحيدون من تجدد الصراع.
يبدو أنه من الصعب أن يتحدد لدينا رؤية حيال قدرة أي حكومة في أي مكان أن تجد حلاً مرضي لصراع يحاول فيه 6 ملايين من مواطنيها لعب دور الضحية حتى وإن كان باستطاعتها أن تحقق السيطرة العسكرية الكاملة وهو الأمر الذي مازال غير واضح حتى الآن.
مجلة البيان - ميدل ايست آي
لوموند
آفي يسسخروف
جورج فريدمان
أسرة التحرير
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
محمد العبدة