..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مرصد الثورة

سجن تدمر في ذاكرتي

مهدي الحموي

٢ يونيو ٢٠١٥ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 4652

سجن تدمر في ذاكرتي
تدمر 0987.jpg

شـــــارك المادة

 في عام ١٩٦٤ اعتقلت مع أخي من مسجد السلطان بعد قصفه، كان أخي يرفع معنويات الإخوة معنا وكان عمره ٢٢ عاماً وأنا لم أبلغ بعد.. افترقنا في مهجعين متقاربين ثم ساقوه مع غيره إلى سجن تدمر الصحراوي، اعتقلت خمسة أيام ثم أطلق سراحي، ذهبت مع أبي نحمل الطعام لزيارة أخي، رأيت النخل الذي تعصف به الرياح الساخنة، بهت بلون الصحراء الأصفر ولون جدران السجن الصفراء وأبوابه السميكة وأسقفه العالية وشباكه المحكمة في سقف باحاته وعلى بواباته، وصوت سجانيه الخشن المرعب.

نادوا باسم أخي، وأتى يقابلنا خلف شبكين يقيم بينهما حارس يراقب الكلام والتصرف، تكلم أخي معي بالألغاز عن وضع حماة، وكانت معنوياته عالية، سأله أبي (برباطة جأش فقد كان من المقاتلين ضد الفرنسيين) كيف حالك! شد حيلك، السجن للرجال.

التقط أخي من أسفل قدمه قطعة قماش ونشرها فوضحت عليها الدماء، التقط أبي الرسالة عن التعذيب، أوصل والدي عبر عمي (المسؤول السابق) الرسالة للرئيس أمين الحافظ وسأله لماذا التعذيب بعد التحقيق (وهو بواقع قتلة لكل شخص في كل صباح)!،

تبين أن الرئيس لايدري ماذا يحدث، أخذ طائرة هليوكبتر باليوم التالي متجهاً للسجن، دخل مهجع السجناء ثم قال من هو فلان؟ قال أخي أنا، قال أرني أسفل قدمك، ففعل أخي ذلك، فقال بنبرة عالية: هذه قدميك سليمتان فكيف أريت لأبيك الدماء على المنديل!

قال لقد كان المنديل من الدم الذي يخرج من قدمي مروان حديد. وتأكد أمين الحافظ من ذلك، وبعد العفو عنهم إثر أحكام إعدام وغيرها حدثني أخي أن قطع اللحم كانت تنناثر من قدمي مروان حديد من ضرب الخيزرانات عليها، وأنهم وضعوهم بإحدى الفترات في زنازن انفرادية في حر الصيف الصحراوي وكان مصدر الماء الوحيد هو صنبور ينقط كل خمسة دقائق قطرة بدون وجود آي وعاء، فكانوا يضعون فمهم تحت الصنبور فترة طويلة ليرتووا.

لكن لم يتراجع واحد منهم عن مقارعة النظام أبداً فمنهم من مات ومنهم من استشهد والقليل الذين بقوا أحياء، وهكذا كانت بذور الثورة تنمو وهكذا كان من شقوا الطريق صابرين محتسبين.

ثم توالى الآلاف فاستشهدوا في هذا السجن بالرصاص من مجموعات سرايا الدفاع أو على أعواد المشانق الجماعية التي كانت تنصب مرتين بالأسبوع لفترة طويلة لتعدم ثلة من خيرة شباب المجتمع بعد ذلك بسنوات. (راجع كتاب شاهد ومشهود وغيره على المواقع)

 

 

 

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع