نيويورك تايمز
تصدير المادة
المشاهدات : 13299
شـــــارك المادة
في بلدة حدودية راكدة يتجول الفتى دون أن يلاحظه أحد؛ واحد من مئات آلاف اللاجئين الذين فروا من الحرب الأهلية في سوريا؛ منطلقاً عبر القرى والمزارع, ليسافر في الأردن, على بعد خمسة أميال فقط من بيته. ولكن هذا الشاب يحمل عبئاً, وربما شرفاً أيضاً, لا يتقاسمه تقريباً مع أحد آخر، هو يعلم أنه وأصدقاءه ساعدوا في بدء كل شيء، لقد أشعلوا انتفاضة.
لقد بدأت ببساطة كافية, لم تكن مستوحاة كثيراً من النشاط السياسي بقدر ماكانت مستوحاة من ثورة المراهقة ضد السلطة, والملل. شاهد أحد أبناء عمومته يرش بالطلاء حائط أحد المدارس في مدينة درعا بتحد شقي قصير للرئيس بشار الأسد، طبيب العيون المدرب, حول الثورات الوطنية الممتدة. § كتب ابن عمه: “إجاك الدور يا دكتور.” الحلقات الأولى من الربيع العربي آخذة بالنمو إلى مسافة أبعد, وذاكرتهم مغطاة بالخوف مما سببته الثورات. في الفوضى في مصر, يتحدث ناشطون عن ثورة ثانية. وفي تونس, اغتيال سياسي هذا الأسبوع عرض للخطر واحداً من التحولات الأكثر تفاؤلاً في المنطقة. ثم هناك سوريا, حيث قتل الآلاف, وفر مئات الآلاف من البلاد, وفكرة الدولة نفسها آخذة بالاختفاء وسط دورات سفك الدماء الطائفية. وحشية الحرب جعلت من الصعب أن نتذكر, ناهيك عن الاحتفال, ببدايات الثورة. بعد الكتابة على الجدران, اعتقل المراهق وأصدقاؤه وتم تعذيبهم؛ الأمر الذي أدى إلى المظاهرات التي, إذا ما نظرنا إلى الوراء, كانت أولى أيام الحرب الأهلية. وبعد عامين, مازال الأولاد مجهولين في معظمهم, ولم يتم الاحتفاء بهم, مثل محمد بوعزيزي, بائع الفاكهة, الذي كانت تضحيته بنفسه بداية الثورات العربية, أو كخالد سعيد, الشاب الذي ساعد ضربه حتى الموت على أيدي الشرطة المصرية على بدء حركة التغيير. بعض الصبية من درعا لاجؤون أيضاً في الأردن, كصديقهم, والآن وافق 17 منهم على الحديث أسوة بوالده, طالما لن يتم الكشف عن اسمه. قالوا إنهم كانوا يحمون أقارب تُركوا خلفهم في سوريا, لكن ترددهم أتى أيضاً بسبب العار, حيث أن والد الصبي كان قد سلمه إلى الشرطة ليحتفظ بابن آخر, والصبي أبلغ ثلاثة آخرين من أصدقائه لمحاولة تجنيبهم التعذيب الذي تعرض له على أية حال. وبالنظر إلى كل ماحدث لعائلته ووطنه, قال الصبي إنه لا يشعر بالندم, “ولماذا علي أن أفعل؟ من الجيد أن ذلك حدث.” قال ذلك خلال لقاء رتبه لاجؤون آخرون من درعا, وعن الأسد قال:”لقد اكتشفنا من هو حقاً.” كل شيء بدأ بالكتابة على الجدران. الحكومة المتوترة جراء الإطاحة بالحكام عبر العالم العربي, تصرفت بشراسة إزاء الإهانة, معتقلة الصبي وعشرات الأولاد الآخرين, وعذبتهم بعد ذلك لأسابيع. أقارب الصبي والجيران ومئات الآخرين في المدينة تجمعوا في احتجاجات مطالبين بإطلاق سراح الأولاد. فتحت قوات الأمن النار على الحشود. كانوا يظنون أن عدم التسامح سوف يمنع التصعيد من قبل الحشود, لكنهم كانوا مخطئين. من غير الممكن تأكيد تفاصيل قصة الصبي بشكل مستقل, لكن خطوطها العامة تتطابق مع قصص بعض الأولاد الآخرين من درعا والذين تكلموا عن تلك الفترة. ثلاثة سكان آخرون للمدينة منهم اثنان عاشوا في نفس الحي الذي عاش فيه الصبي وأسرته, أكدوا أنه كان من بين الصبية الذين تم اعتقالهم في شهر آذار مارس 2011. معيداً تلك الأيام, قال الصبي إن ليلة بلا نوم مرت عليه بعد تصرفات ابن عمه المليئة بالتحدي. لم تكن الكتابة على الجدران فقط, لقد أضرم ابن عمه النار في كشك جديد للشرطة في نفس اليوم في تصرف هجومي آخر. لم يتحدث الصبي وأصدقاؤه بالسياسة كثيراً, لكن لغة المعارضة كانت في كل مكان على القنوات الفضائية. احتجاجات صغيرة بدأت بالاشتعال في دمشق, “لقد كان الوقت المناسب”, قال الصبي. في الصباح التالي لاحظ عناصر المخابرات عند المدرسة. كان لديه القليل من الشك حول سبب وجودهم هناك, قال:”كنا نعرف ما فعلناه.” خلال الأيام القليلة التالية, كانت الشرطة والجيش والشرطة العسكرية يجوبون المدينة ليلاً نهاراً, يقتحمون منازل المشتبه بهم. قال الصبي إنه ذهب للاختباء, وقال: “ظننت أن ذلك سينتهي, لكنه لم ينته. “عندما طرقت الشرطة أخيراً على باب بيت العائلة, هدد الضباط بأخد ابنهم الآخر, ووعد العناصر الأب إذا ماقام بتسليمهم الصبي أنه سيحتجز لعدة أيام فقط. امتثل الأب وأخذ ابنه إلى مقر قوات الأمن المحلية. بدأ الصبي بالبكاء والتوسل ليعود إلى البيت, لكن الأب ترك ابنه خلفه. وعندما عاد إلى المنزل قالت زوجته: “أنت المسؤول عن أي شيء سيحدث له.” بدأ الإيذاء الجسدي حالما وصل الصبي سجن مدينة السويداء حيث تعرض للضرب أثناء استجوابه. “هل أنت من كتب ذلك؟” سأل المحقق, وكان ذلك أمراً أكثر مما كان سؤالاً. قال الصبي إنه ترك المدرسة عندما كان في الثامنة, “أنا لا أعرف الكتابة”, هذا ما أخبر به المحقق طوال ثلاثة أيام, حتى اعترف, يائساً من توقف التعذيب, أنه كتب الجملة, مع أنه لم يفعل. وأعطى أيضاً أسماء ثلاثة من الصبية الذين كانوا هناك في ذلك اليوم. خلال اسبوعين من الاعتقال, تلقى الوالد مكالمة للذهاب إلى الجامع العمري في درعا للاحتجاج, جزئياً من أجل المطالبة بالإفراج عن الفتيان. عشرة أشخاص كانوا قد تجمعوا هناك بالفعل, وقال إنه والآباء الآخرين اقتنعوا بأنهم إذا لم يقوموا بالاحتجاج “فسوف يأخذون المزيد من الأطفال.” كبرت المظاهرة, وسرعان ما رأى هناك كل شخص يعرفه في المدينة تقريباً. من المستحيل أن نقول كيف كان من الممكن أن تتحول الأمور لو أن حكومة الأسد اتخذت موقفاً أكثر ملاءمة تجاه الاحتجاج. ناشطون من درعا ما زالوا يصرون أن الضغوط كان من الممكن احتواؤها والتسويات كان من الممكن الوصول إليها, حتى بعد سنوات من القمع العنيف. لكن أي أمل مماثل سرعان ما يزول بازدياد الموت. “لم يعد بالإمكان السيطرة على الناس”, يقول الأب. في وقت ما, بعد اندلاع الاحتجاجات في درعا, تناهى إلى سمع الأب أنه سيتم إطلاق سراح الأولاد, والفتى, غير مدرك لانتشار الثورة, قال إنه وضع في حافلة صغيرة, مع أولاد آخرين من درعا, وتم إرسالهم إلى بيوتهم, عندما وصل, قال الوالد:”لم أستطع التعرف إليه.”
فر ابنه إلى الأردن منذ قرابة العام, حيث يقضي وقته في البحث عن عمل كعامل يومي, ويحلم بالعودة لقتال الحكومة في سوريا. منذ شهرين تقريباً, سمع أن ابن عمه الذي كتب على الجدار واستطاع تدبر تجنب الاعتقال, انضم إلى الثوار كمقاتل, وقتل.
كلنا شركاء
السبيل
فورين بوليسي
ميجور جاريت
مجلة الإيكونوميست
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة