..

ملفات

الكُتَّــاب

أرسل مشاركة


مرصد الثورة

بشّار الأسد في قبضة الجيش الحر

إياد أبا زيد

١٠ يناير ٢٠١٣ م

تصدير المادة

pdf word print

المشاهدات : 8273

بشّار الأسد في قبضة الجيش الحر

شـــــارك المادة

بعد ظهر الثلاثاء والجو بارد، حيث كان يرتجف من البرد أم خوفاً,

ذلك الرجل الذي قارب الخمسين من عمره في غرفة نومه القذرة التي لم يفارقها منذ فترة.
شرب وبسرعة كأس الشاي الذي أعدّه على عجل كما اعتاد أن يشرب الشاي في أيامه الخوالي، تنهد بعمق واستند إلى الجدار، كانت رائحة الرطوبة تزعجه، قرر أن يتمشى قليلا في العراء قريباً من المزرعة التي يقيم فيها.

 


غادر الغرفة وسحب قدميه بتثاقل وهو يتأمل السماء الملبدة بالغيوم الداكنة رفع رأسه إلى الأعلى مستنشقاً هواء الساحل السوري، هواء طفولته وصباه،استنشق الهواء بعمق وتوقف ناظراً إلى غيمة بيضاء، سرح فكره معها قرب باب الغرفة كان يقف مرافقه هزيل الجسم متعباً.
قال بشار: يبدو أن الطقس سيكون ماطراً هذه الليلة

أجابه المرافق الذي كان يلوك شيئا في فمه: نعم، سيدي الرئيس، آذار دائماً ماطر في نهايته.
تابع مسيره إلى الأمام، التفت مستغرباً إلى حيث تقبع حمامة على شجرة البرتقال القريبة، تذكر كم كان ولده يحب الحمائم.
صارت الذكريات تتداعى شيئاً فشيئاً، مر الشريط سريعا أمام عينيه وهو يسحب قدميه بتثاقل شديد، ويتوقف بين الحين والآخر ليتأمل الشمس الساطعة، من بين الصور الكثيرة التي مرت بمخيلته، صورة واحدة فقط هي التي توقفت وأبت أن تترك المكان لصورة غيرها، إنها صورة كان قد رآها وهو يجتاز النبك مغادراً دمشق
كانت صورة ثابتة على شاشة التلفاز في أحد المقاهي، صورة زوجته وأطفاله في إحدى ضواحي لندن التي طالما عرضتها شاشات التلفزة العالمية،انتحب بشار باكياً كطفل، وخرّ على ركبتيه ركض مرافقه إليه: خيراً سيدي.
أزاح كفّ المرافق التي كانت على كتفه وقال: لاشيء ، دعني أتمشى بمفردي.

وما أن مرت فترة وجيزة من الوقت سمع من بعيد أصوات محركات سيارات تقترب، و لمح في الأفق طائرة، ركض إليه مرافقه وقال: سيدي هيا أسرع بالاختباء إنهم يقتربون من المنطقة، حث خطاه عائداً إلى الغرفة بسرعة شديدة، ارتبك وهو يبحث بين الأشياء المبعثرة عن شيء كان لا يعرف ماهو.
اقتربت أصوات محركات السيارات، كان المرافق لايتوقف عن مناداته سيادة الرئيس، أسرع أرجوك، سيصلون، إنهم قريبون من المنطقة، هيا ياسيدي ازداد ارتباكه، فحمل مسدسه الذي كان موضوعا تحت الوسادة، و ركض إلى الخارج، بلمح البصر أزال كمية من الأتربة، والقمامة ثم رفع المرافق سجادة صغيرة كانت تخفي تحتها كتلة إسمنتية لها مقبضان معدنيان، رفع المرافق الكتلة، فظهر تحتها نفق مظلم يمتد إلى الأسفل، كانت السيارات تقترب بسرعة، وكان عددها كبيرا.
هبط بشار إلى داخل النفق، فقام المرافق بإعادة الغطاء وأعاد الأتربة والقمامة.

ثم ركض مبتعداً عن المنطقة، في الحفرة كان الظلام دامساً، استند بشار إلى الجدار، وأصغى بانتباه إلى ما يجري فوق في العالم الخارجي بعيداً عن عالمه السفلي الذي كان فيه، قهقه ضاحكاً وقال محدثاً نفسه.
إنها المرة المائة التي يأتون فيها إلى هنا، يظنون بأنهم يستطيعون العثور عليّ، أزاح بقدمه صندوقاً معدنياً كان على الأرض، طالما أنكم معي فلا خوف عليّ
هكذا قال وهو ينظر إلى الصندوق المعدني المليء بالدولارات، سأنام قليلاً ريثما ينقلعون. لافائدة من البقاء مستيقظاً، أغمض عينيه، وغط في نومه، على الرغم من أنه لم يستيقظ منذ وقت طويل إلا أنه في الفترة الأخيرة لايفعل شيئاً سوى النوم، إنه ينام أكثر من نصف اليوم، رأى نفسه مطلاً من شرفة عالية على جموع من الناس يهتفون بحياته، فتح فمه وقال: ياشعب سورية العظيم، ابتسم ونظر إلى صورته على الجدار المقابل، وكانت الجماهير تهتف: عاش، عاش…………
تابع خطابه الحماسي، وحث الشعب على البقاء صابرين.
قال لهم: إنها المؤامرة الكونية على سورية إنهم أعداؤكم وأعداء القيم العظيمة التي نغرسها فيكم وفي أطفالكم كل يوم، لاتستسلموا وحاربوا، حاربوا حتى النصر ولا تتوقفوا حتى يموت آخر واحد منكم أو نحقق نصرنا الذي سنحققه لامحالة
أنهى خطابه ثم دخل إلى قصره: هاتوا قدموا لي الطعام أنا جائع، كان الخدم و الحرس يتحركون بخوف أمام السيد الرئيس الذي كان يجلس وخلفه صورته، وإلى جانبه تمثال صغير له صنعه أحد النحاتين، ذلك النحات كان يحبني كثيراً قال محدثاَ نفسه، قهقه بشار بشدة، فتح عينيه وتململ في مكانه الضيق ماهذا؟ ماهذا الفراش؟
انتبه إلى وجود حركة أقدام في الأعلى، سيتعبون من التفتيش ويرحلون بعد قليل، يبدو أن عددهم كبير، لكن لايهم كبير أو صغير، المهم أنهم سيتعبون ويغادرون.
أكاد أختنق، هيا انصرفوا، ما الذي تريدونه أكثر لقد أخذتم مني كل شيء، القصور والبيوت والشوارع والمزارع، أخذتم مني سورية كلها بعد أن ورثتها عن والدي، كانت سورية كلها لي وقد أخذتموها ، ألن تتركوا لي هذا المكان الصغير لأعيش فيه، هيا أيها المندسين، وأصغى من جديد إلى أصوات كانت تجعل نفقه الصغير يهتز، ها يبدو أنهم قرروا المغادرة، وهاهم يحركون آلياتهم ويستعدون للانصراف ، هذا أفضل، المكان هنا لايناسبني أبداً.
كان المسدس الذي في جيبه يؤلم جنبه، مد يده وأخرج المسدس، وضعه على الأرض، ومد قدميه، كانت الحركة في الأعلى لاتهدأ، وكان نشاط الجنود غير عادي لم يحدث في مرة من المرات السابقة التي جاؤوا فيها إلى هنا أن فتشوا بهذه الطريقة.
لاشك أنهم مجانين، حتى الشيطان لايعرف مكاني، هل سيتوقع هؤلاء المندسين بأنهم سيعثرون على بشار الأسد، فجأة اندفع تيار هوائي إلى الحفرة، واندفعت معه أصوات الجنود، لم يدري بشار ماذا حدث، ضوء شديد أغلق عينيه على أثره، وما هي إلا طرفة عين حتى واجهه مباشرة وجه جندي يمد فوهة بارودته باتجاهه، مد أحد الجنود يديه إليه وسحبه إلى الأعلى، هاله المنظر الذي رآه مئات الجنود كانوا يحيطون به من كل الجهات، اقترب منه الضابط المسؤول وقال له إنها النهاية أيها الطاغية، عندها لم يعرف بشار ماذا يقول، لكنه هز رأسه بهدوء وقال بثقة: قلت لكم أنا رئيس سورية الشرعي وأريد التفاوض
قام أحد الجنود بتفتيشه، وكان الجنود الباقون يتأملون وجهه ويتهامسون، فقال له الضابط، الذي علق بهدوء: حين سنصل إلى القيادة سنتفاهم على كل الأمور، لاتقلق.
هبطت مروحية بالقرب من المكان فاقتاده الضابط الذي قام بتكبيله إلى الطائرة، صعد بهدوء شديد، وقبل أن يدخل إلى الطائرة ويغيب فيها، التفت إلى الجنود المتجمعين في المنطقة ونظر إليهم، تخيلهم للحظات جنوده، ولكن لماذا لايسمع الهتافات.
أين بشار؟ اسمك هز العالم ، أراد أن يطلب من الضابط أن يأمر عناصره بالهتاف
لكن الضابط طلب منه أن يدخل إلى الطائرة، وقلبه كان يعتصر ألماً، ماهذا؟
كيف وصلت الامور إلى هنا؟
إلى أين يأخذونني ؟
أراد أن يصرخ ، أن يأمرهم بتركه ، أراد أن يقول لهم: أنا بشار الأسد، بطل الصمود والممانعة، رئيس سورية، اتركوني أيها المندسين، اتركوني، لكن الكلمات رفضت أن تخرج من فمه، كان حتى هذه اللحظة غير مصدق كل مايحدث، هل هذا صحيح ؟
هل أمسكوا بي حقا؟
أنا بشار الأسد ألقى القبض عليّ هؤلاء الجنود الصغار!
تأمل وجوه الجنود الذين كانوا يركبون معه في الطائرة، كانوا متجهمين، لا يتحدثون، يبدو على ملامحهم التعب والإرهاق،
و أخيراً حامت الطائرة منخفضة، وهبطت في مطار المزة بدمشق،
لم يرى السيد الرئيس هذا المنظر من قبل، عربات وجنود ، ودبابات ، ومروحيات، أنزلوه من المروحية، وهذه المرة اقتادوه بقسوة، حتى أوصلوه إلى مكتب ضابط كان يجلس بمفرده، نهض الضابط،
وقال: أهلا بك، كنا بانتظار هذه اللحظة منذ وقت طويل، لقد أتعبتنا يا رئيس كثيراً.
جلس بشار على كرسي في زاوية الغرفة، وماهي إلا دقائق من الصمت حتى دبت الحركة في الخارج، ودخل رجل مدني طويل القامة نوعا ما، إنه يعرف هذا الرجل جيداً، نعم لقد رأى صوره على صفحات الجرائد، ولكنه لايتذكر من يكون.
قال الرجل: سيد بشار، لابد أنك لاتعرف من أكون.

أنا النائب العام، كان لهذه الجملة وقعها السيء في نفسه، ماذا يقول هذا الرجل، النائب العام؟
أي معتوه هذا هل سيحاكمني، أنا بشار الأسد حاكم سورية الوحيد وللأبد، أراد أن يقول هذا الكلام، ولكنه ظل صامتا يراقب، وجوه الرجال الذين كانوا يتهامسون من حوله.
بعد قليل جاء طبيب عسكري وبرفقته رجل يحمل كاميرا، اقترب منه الطبيب، وطلب منه أن يجري له فحوصاً للاطمئنان عليه، نهض بشار من على كرسيه، ووقف إلى جانب الجدار، رفع المصور الكاميرا إلى الأعلى، فكر بشار بالكاميرا:
آه لقد حرموني منك طيلة هذه الفترة، كان لا يمر يوم لا أقف أمامك مرتين أو ثلاث مرات، وها هي الكاميرا تعود إلي، هيا صوروني نعم،كم أحتاج لأن أرى نفسي من جديد، على التلفزيون وفي الشوارع وفي المقاهي والبيوت، وأن أرى الناس كلهم يحملون صوري ويطوفون بها في الاحتفالات الرسمية، لا بد أن الشعب السوري مشتاق إلي كما أنا مشتاق إليه، فحصه الطبيب فحصا كاملاً، كان يبدو عليه بأنه طبيب ماهر قال في نفسه هم السبب عن آلمي وهم سيدفعون ثمن كل ما فعلوه بي غالياً،
انتهت عملية الفحص الشامل وتوقفت الكاميرا عن الدوران، لماذا يكفون عن تصويري إنها أشهر طويلة من الابتعاد وهذا الزمن لا يكفي لتعويضها
سأله الضابط: هل تحب أن تقول لنا شيئا؟
أقول لكم وما الذي تريدونني أن أقوله، أنا لا أعرف شيئاً، كل ما تريدون معرفته أنتم تعرفونه، وأنا ليس عندي أي معلومات لأقولها لكم.
اتركوني أريد أن أنام، تقدم منه جندي يحمل ماكينة حلاقة وقال له: نود فقط أن نحلق لك هذا الشعر الكثيف، هز رأسه موافقاً، وهنا عادت الكاميرا إلى الدوران من جديد، وعاد الارتياح إلى قلبه، ها أنا أمام الكاميرا مرة أخرى، نعم صورني بشعر قصير، نعم كي يعرفني شعبي الذي يحبني والذي اشتاق لي كثيراً.
بعد قليل بدأ النعاس يتسلل إلى أجفانه فطلب منهم أن يسمحوا له بالنوم، قال لهم: أنا متعب وعليكم أن تتركوني أنام، اقتاده جنديان إلى غرفة جانبية، كان فيها سرير معدني صغير، أدخلاه فطلب منهما أنه يريد بعض الماء ليشرب، ذهب أحد الجنديين وغاب دقيقتين ثم عاد يحمل ماطلبه السيد الرئيس، قدمه له، ثم أغلقا الباب عليه، حين سمع صوت المفتاح يتحرك في قفل الباب.
أدرك للمرة الأولى أنه سجين، وأدرك أن كل شيء قد انتهى

تعليقات الزوار

لم يتم العثور على نتائج

أضف تعليقًا

جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع