أبو عبد الله عثمان
تصدير المادة
المشاهدات : 3324
شـــــارك المادة
كأنه رجل يمشي....!!! هذا ما دعاني لحمل مصباح واقتحام ظلام الليل إلى طريق شديد البرودة مفعم بالصمت إلا مما يتخلله من أصوات زخات المطر تسري خلاله بهدوء يعكر عليها بين حين وآخر أضواء وصخب القصف من هنا وهناك!! اقتربت منه.. كان رجلاً كهلاً فوق الخمسين.. يغدو ويروح في الطريق يقلب كفاً على أخرى.. وقفت أمامه.. حاولت أن أسلم عليه.. رد علي السلام بإحباط شديد..!!
لم أجرؤ حقيقة أن أسأله عن سبب ذلك القلق الذي يلبَسه.. لأني حينما تأملت عينيه لم أجد فيهما مساحة لأية شكوى!! وكأن الرجل قد استنفد كل ما لديه من شكاوى وقد أظلمت أمامه السبل فلم يعد يرى أمامه من الآمال إلا الآلام!! أشرت عليه بيدي متسائلاً بخجل محاولاً أن أسمع منه شكواه.. ووالله ما أن شعر برغبتي في معرفة آلامه إلا وانفجر بالبكاء.. وما هي إلا لحظات حتى رأيت أمامي دموع الرجل الخمسيني تتقاطر من لحيته.!! لم يكن قد تكلم بعد...! سألته بالله أن يخبرني بشكواه.. وأشعرته بأني لن أعده وأُمَنّيه بأية مساعدة ولا أريد منه إلا أن يخفف بكلامه شيئاً من الآلام..!! وحينما رأى أني لن أساعده تجرأ على الكلام فهو قد سئم حقاً من الوعود..! تكلم وليته لم يتكلم.. قال لي: عن ماذا أتكلم وقد تركت أطفالي يرتجفون من البرد..؟ وعن ماذا أتكلم وأنا أبحث منذ خمسة أيام عن أي نار أطبخ عليها وعاءً من الطعام.. فلم أجد الغاز ولا الكاز ولا المال ولا الحطب!! وعن ماذا أتكلم وأنا لا أدري كيف أدخل البيت بعد رحلتي لساعات في البحث عن وسيلة أطبخ عليها لأولادي أو أحضر لهم بعض الطعام!! سكت الرجل ثانية.. !! رفعت رأسي إليه فقد غص صوته مرة أخرى!! حاولت بثقلٍ أن أحرك لساني ببعض الكلمات فلم أستطع!! تسمرت في مكاني شارداً سارحاً في مدى إجرام ذلك الصعلوك الأسد والداعمين له خنازيرِ روسيا وإيران وأذنابِ المجتمع الدولي!! صحوت من شرودي على وقع خطوات الرجل يسير مبتعداً عني متابعاً طريقه لتناول وجبته المسائية من الآلام.. أسرعت إليه.. أوقفته.. ناديته.. أقسمت عليه إلا وأن يتجاوب معي في مسعىً إلى ما يمكن أن يَسُدَّ به بعضَ تلك الآلام.
طريف يوسف آغا
عباس عواد موسى
جابر الحجي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة