تصدير المادة
المشاهدات : 7412
شـــــارك المادة
حكاية الحرية لاينسجها بطل واحد، بل كل بطل هو حكاية متكاملة تحاك من عزائم الكبار، ونفوس الأباة، تتزين بإرادة الأقوياء على إعلاء الحق وإزهاق الباطل، تتعنى بالانتصار..... هي حكاية سينطق لها الحجر، وتحكيها الشجر.. ولنحك معا حكاية شاب من مدينة الرستن الواقعة خلف ضفاف العاصي. ولد في ١٤/٨/١٩٨٣ ينتمي إلى أسرة مكافحة تتكون من والده الفلاح البسيط وأمه التي أرضعته حب الأرض والعزة والكرامة وإخوته.
هو النجم (أحمد الخلف) وله من اسمه نصيب.. منذ طفولته وهو يحلم بأن يكون بطلا من الأبطال ويشارك في تحرير الجولان ...ويحلم بارتداء البدلة العسكرية التي ستُزَين كتفها بالنجوم.... عندما أصبح أحمد شاباً انتسب إلى الكلية الحربية وكانت علاقته وطيدة مع رفاقه ذوشعبية واسعة، تجمعهم ذكريات الجد والهزل والفرح والحزن والسباق والتنافس في تعلم الرماية.... كان يحلم أحمد بالشهادة على ثرى الجولان لذلك اجتهد وأتقن الرماية كي يثأر من العدو الاسرائيلي، واتقد حلمه واشتد نبضه عندما تعين في مرتبات القوات الخاصة.... وفي وقتها بدأت رياح الربيع العربي تهب من تونس، لا وسيلة تواصل فلا تلفزيونات ولا هواتف سوى الأخبار التي تشوه الفكر والعقل والتي تتحدث عن مؤامرة كونية على سورية سلفية بالتعاون مع بندر والحريري... كانوا مغيبين تماما، معزولين، فلم يسمعوا بفرار (علي) ولا بسقوط (مبارك) ولا بالثورة الليبية واليمنية.... لم تصل إليهم استغاثات إخوانهم في درعا وهم يصرخون الفزعة.. ولم يدروا باقتلاع أظافر الأطفال، إذ كانوا في حصار إعلامي خانق... وفي ذات ليلة أتته في نومه رؤيا عن الجنة والشهادة، أشرق صباحها على مهمة واضحة قالوا لهم: إن أهل درعا يريدون إقامة إمارة سلفية، وأن فيهم عصابات مسلحة.... أتته الأوامر أن يبيد في درعا كل شيء.. عندما ذهب إلى درعا لم ير سوى أناسا سلميين يحملون أغصان الزيتون، يتغنون بعبارات عن الحرية توقظ القلوب من غفلتها.... ولسان حالهم يقول ياحيف.... امتزجت نداءات الناس الذين يقولون:(لا تقتل نحن أهلك، أبناء وطنك، أهل ديرتك، أنت أخي وأنا أخوك، أنا ابن بلدك) امتزجت تلك الأصوات بصوت الحورية التي استيقظ على صوتها ذات صباح تدعوه إلى الجنة... أعطى أحمد أوامره لجنوده بالامتناع عن ضرب النار، فهو يؤمن أن مهمته الأولى والأخيرة هي الدفاع عن أبناء وطنه وليس قتلهم..!! علم حينها أن قراره سيكلفه البعد عن أولاده وزوجته وأبويه وإخوانه، لكن عواقب الأمر عنده أهون من أن يكتب عند الله قاتلا... وفي ٧/حزيران /٢٠١١ كشف أمره فتعرض للمراقبة الشديدة ومن ثم للإقامة الجبرية لدى قائد الكتيبة، ثم علم أن هناك قرارا بتصفيته.... رائحة الجنة وسهرها يدنو إليه، فتجلى قرار الانشقاق أمامه كواجب عليه.. وعندما انسلخ عن هذه القذارة التي كبلته بقيودها وعزلته، كادت أن تجرده من إنسانيته ــ عندها ولد من جديدــ فرح أهالي الرستن به وحملوا والده على الأكتاف واستقبلوه بالزغاريد كعريس ليلة عرسه.. قد كان أحمد في سماء الحرية نجما وصقرا من صقورها، نادته الجنة فلبى النداء ونزع تلك النجوم الزائفة التي أثقلت كتفه وهرع راكضا ينصر الحق .... هذا هو الملازم (أحمد الخلف) الذي أبغض الطغاة وعرف معالم الطريق ..فهم الرواية، وسطر ببطولته كل الحكاية، فانشق والتحق بالجيش الحر، انضم إلى كتيبة خالد بن الوليد، كانت لديه خطة عمل مفصلة، أولى بنودها وأهمها هو امتلاكه قناصة يقنص بها كل أثاّم لعين، باع ذهب زوجته بسبعين ألفا وكان ينقصه مثيلتها، طلب من تنسيقية الرستن في الخارج إمداده بالمال كي يحقق حلمه، انتظر في الأردن لمدة اسبوعين بعد انشقاقه ولم تصل أية مساعدة إليه، فالتنسيقية بذلت جهدا كبيرا لكن كل الأبواب التي طرقتها لم تجبها.....!!! عاد إلى سوريا ودخل درعا، اشترى روسية وأذاق الشبيحة والأمن الويل فيها، درعا كلها تشهد له قبل الرستن . انتقل إلى الرستن لمؤازرة إخوانه ومازال حلمه باقتناء القناصة يكبر داخله لأنه هداف ماهر.. وصرح لصديقه بذالك قبل استشهاده بيومين .... كان لأحمد بصمة طبعت على قلوبنا، فعندما يطرق اسم (أحمد الخلف) مسامع الصغار قبل الكبار، ويتردد صداه في ذاكرتنا الثورية لابد لنا من أن نتذكر مقولته التي نقشت على صفحات قلوبنا (إذا دخلت الدبابات الرستن اعلموا أنني قد استشهدت) تولى الدفاع عن المدخل الشرقي وظل يقاتل هو وبعض من عناصره لمدة يومين متتالين بسلاح فردي بسيط يصد جحافل الدبابات ويمنعها من التقدم، لكن في قلبه غصة لأن رصاص الموت سيأتيه ممن كانوا رفاق الأمس، وفي يوم ٢٨\٩\٢٠١١ أتته رصاصة الغدر والحقد. نزف على أثرها حتى الموت، وهو اليوم الثاني لمحاصرة واقتحام الرستن من قبل كتائب الأسد... حقق أحمد حلمه في الشهادة، وحقق حلمه في التحرير، فقد كان يدافع عن الحرية... تلك الكلمة التي أعجزتهم ....!! حلم بالنجوم التي ستزين كتفه، فعبر مسرعاً نحو السماء ليكون نجما متوهجاً، وضاءً،هادياً..
دفن الشهيد أحمد في فناء مدرسة الشريعة بدون وضع أي علامة تدل على قبره، وقام أبطال كتيبة خالد ابن الوليد بحفر قبر في المقبرة، دفنوا كمية كبيرة من المتفجرات فيه، وضعوا شاهدة على القبر مكتوب عليها (قبر الشهيد أحمد الخلف(... عندما دخلت العصابة الأسدية مدينة الرستن، ذهبوا إلى المقبرة لينبشوا قبر الشهيد أحمد فانفجرت فيهم المتفجرات المدفونة وقتل منهم ١٢ عنصر. جن جنونهم واعتقلوا والد الشهيد، أرغموه على إخراج جثة ابنه... يالعقولهم الغبية خدعهم اسمه فقتلهم... يــــا لقلوبهم المجبولة بالحقد إنه جثة هامدة.... افعلوا ماشئتم بها فلن تأسروا روحه ولن تؤثروا عليها... فهي في مكان بعيـــد... بعيـــد عن قدراتكم العقلية.... ياويحكم ...!!! وبعد مايقارب الشهر من استشهاد (أحمد) ولد ابنه (عمر) في تاريخ ٢٤/ديسمبر/٢٠١١م فرح أهله به فرحا شديداً وبلسم جرحهم فهو سيخلف والده ويملأ عليهم الحياة.. وقالوا له: يـــا أهلا بك يا عمر هذا الزمان، ارفع رأسك عاليا فإن والدك هو الشهيد البطل أحمد الخلف... لم يعلموا أن هناك مكرا يحاك لهم. ففي ١٦/٧/٢٠١٢ قام النظام بمجزرة في بيت الشهيد أحمد الخلف واستشهدت طفلته هدى واستشهد شقيق زوجته عبد الرحمن الشيخ خلف، أصيب قريبه أحمد الشيخ خلف عمره ٤ أشهر وهو رضيع، وأيضا أصيب حمزة محمد الشيخ خلف.... عائلة كاملة أصبحت بين جريح وذبيح... أحمد أنت وعائلتك رمزا من رموز الثورة.. كم لك علينا يا أحمد.....؟؟
وقيل في رثاء الشهيد:
عاد بعد الموت حيا *** ذكره كان عليا في جنان الخلد يمشي *** هانئ النفس رضيا كان في الدنيا شجاعا *** ثابت الخطو أبيا لم يكن يخشى كفورا *** أو ظلوما أو شقيا لم يكن يرضى بذل *** منذ أن كان تقيا إنما يرضى بذل *** كل من كان عصيا عاهد الرحمن يوما *** منذ أن كان صبيا أن يعيش العمر دوما *** طاهرا حرا نقيا في حمى الرحمن يمضي *** عزمه كان فتيا عيشه كان جهادا *** ثم حبا أخويا في كتاب الله يتلو *** خاشع القلب شجيا مع شباب لم يراؤوا *** كلهم كان زكيا كان يرجو أن ينال *** الخلد خلدا أبديا فلقد ضحى بروح *** للفدا كان حريا و لقد أوفى بعهد *** إنه كان وفيا إنه والله حقا *** كان شهما أريحيا
قصص شهداء الثورة السورية
قادتنا شهداء
محمد حسن عدلان
بدر طالب
أحمد الجربا
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة