مهدي الحموي
تصدير المادة
المشاهدات : 14382
شـــــارك المادة
لحظة الصفر بين المجاهدين والنظام منذ عام 1980 / 7 /7 أعلنت السلطة السورية القرار رقم 49 والذي يحكم بالإعدام على من ينتسب لتنظيم الإخوان المسلمين وشعر عناصر الإخوان جميعاً أنهم مواجهة أمام الإعدام بدون مهلة لحل التنظيم (السري طبعاً) وحتى بدون عفو عما سبق, وكان القتال والتسلح والدفاع عن النفس هو الأكثر فرصة للبقاء كما أنه كان عاملاً منهياً للتردد في مقاتلة النظام, فقررت القيادة أن تقف بشجاعة أمام القرار وتتحمل مسؤلياتها في ذالك, علماً أن المواجهة مع تنظيم الطليعة الذي أسسه الشيخ مروان حديد كانت مستمرة.
فتحت الحكومة العراقية معسكرات التدريب للإخوان والطليعة في معسكر التاجي في العراق,كما بدأت تدريب اللاجئين البعثيين السوريين(على قلتهم) في معسكر آخر. طلب الإخوان من طه ياسين رمضان (عضو مجلس قيادة الثورة في العراق ومسؤول الاتصال) أن يدخل عناصر شابة من الإخوان في الكلية الحربية فرفض الطلب, وكان الإخوان يدركون مشكلة عدم وجود عناصر عسكريه تابعه لهم بالجيش السوري طوال التاريخ, (وبتدبير مقصود من خصومهم المستعمرين والطائفيين والعلمانيين المعادين), كما أن الإخوان يريدون بناء الكادر العسكري الأول للتدريب الذاتي, وبناء جيش ذي رتب عسكريه في الخارج ليكون نواة لجيش جديد في الداخل بعد ذالك, لكن الحكومة العراقية أحضرت فقط دبابة لتدريب الإسلاميين في المعسكر, بينما كان أحد مساعدي الصف الهاربين من الجيش السوري يعمل مدرباً في المعسكر وقد خرّج هذا التدريب مدربين آخرين وآلاف المدرّبين, وكانت مدة التدريب أقل من شهر وكان تدريباً قاسياً, حيث يعود بعدها العناصر لأعمالهم في دول الإقامة بانتظار ما سمي بالحسم حيث لحظة الصفر. وقد أعطى النظام العراقي وقت بث إذاعي مقسم بين الإخوان والبعثيين. نزل المهندس خالد الشامي (وكنت أعلم أنه صوفياً متفتحاً) إلى السعودية أواخر عام 1981 (وكان خالد هو المسؤول عن التنسيق بين التنظيم العسكري الموالي للثورة على النظام, وتنظيم الإخوان بعد أن توحد مع الطليعة قبل ال82 بقليل بقيادة القائد عمر جواد). وحدد خالد مع القيادة والمراقب العام الدكتور حسن هويدي لحظة الصفر, وهي بعد ستة أشهر من تاريخ اللقاء والتي رآها الدكتور حسن بأنها ضرورية لتجديد اللياقة البدنية لمن تدربوا سابقا, وكانت الخطة بأن يعلن الحركة باسم حركه تصحيحيه جديدة ,من قبل قائد الانقلاب العميد تيسير لطفي ومجموعته العسكرية, وكان من المتوقع انضمام الكثير من عناصر الجيش بعد أن تعلن الحركة . وكان عدد الأفراد الحلبيين المدنيين الهاربين في الدول المحيطة جيداً لأن قواعدهم كشفت, واستشهد قسم منهم بينما غادر الباقون للأردن والعراق للإقامة ( ويبدوا أن أهل دير الزور قد غادر معظمهم للعراق القريب كذالك) وكذالك من شباب إخوان حمص, وقد تدرب الجميع في المعسكرات وجلسوا فيها أو في بيوت جماعية في الأردن والعراق ينتظرون المهمات أو لحظة الحسم. وصل خالد الشامي لسورية, وما هي إلا أيام وتم استدعاؤه للأمن فذهب للأمن مطمئناً بسبب علاقته بضباط الأمن الكبار (والذين كان يهديهم البدلات الغالية من السوق الحرة), ثم حققوا معه وتركوه ليقينهم بأنه ليس المعني, لكنهم عادوا لاعتقاله عندما قالت الجهة الواشية إنه هو المعني تماماً (وسيأتي اليوم الذي استطيع به ذكر سر الانكشاف فعندي تفصيله من عضو داخل القياده القطرية), ثم ظهر خالد الشامي على شاشة التلفزيون يقول: بأنه هو مسؤول الإتصال وبأنه يوجد تنظيم عسكري وأنه يوجد في حماه قوه شعبيه مقاتله وهي تعادل لواء عسكري ينقصها السلاح (هذا الكلام فيه مبالغة ومطلوب منه قوله من السلطة) لكنها ستحصل على السلاح الكافي من الانقلابيين. وفهمت السلطة أنه توجد أربع قوى مسلحة 1 ـ القوى في الجيش السوري 2 ـ تنظيم الإخوان والطليعة ( الموحد) داخل سورية 3 ـ وقوة الإخوان والطليعة المتدربون بالخارج 4 ـ قوة البعثيين السوريين المقيمين في العراق 5 ـ بالإضافة للقوى المتوقع انضمامها عند إعلان المعركة (لله والتاريخ أنني قد التقيت صدفة بالأخ هشام جنباز مسؤول الطليعة مرة وسألني ما رأيك بما يحصل فقلت له إنكم ستتسببون ببركة كبيرة من الدم دون أن تسقطوا السلطة, وقد قلت هذا لأنني لم أكن أعلم أنه يوجد هناك تنظيم عسكري في الجيش أو أنه كان لم يتشكل بعد (لأن الجيش يحتاج رؤية الثبات النضالي في الشارع لينضم لأي ثوره). وهنا قررت السلطة الهجوم ودفعت خالد للقول بوجود القوة مقابل الحفاظ على حياته (وقد اعتقل مدة عشرون عاماً تقريباً وخرج) وقع التنظيم العسكري بكامله في قبضة السلطة فكسر أحد أجنحتي الصقر وضربت بهذا الإستراتيجية الموضوعة, (ذالك أن حرب العصابات لا تستطيع التحول لتواجه الجيش النظامي وليس لديها الجبال والغابات). ولم يكن هذا فقط بل وبدأ الضغط على حماه لكسر الجناح الثاني: كان الناس يجمعون في الساحات العامة ليرفعوا أرجلهم جميعاً مرة واحدة ولينتظروا الضرب وليرقص مسنّوهم والتفتيش العنيف على الهوية في الشوارع الرئيسية والأزقة الضيقة والكمائن المفاجئة, والزج بالسجون بدون مبرر, كما دعيت عناصر الأمن من مدينة حمص لحماه للمشاركة في الضغط, وكانت عناصر التنظيم تتخذ من البيوت قواعداً عبر مخابئ أتقنوها ومشافي تحت الأرض عملوها.. وكان استعمال اللاسكي مشكلة في حال الثبات لأنه سيكشف مكان الاتصال عبر راشدات الجيش السوري, وكان الاتصال مع الخارج عبر مراسل فقط. وأخذت الدولة راحتها بسبب عدم تمكن المجاهدين من حماية السكان وأصبح الضغط لا يطاق, واكتشفت السلطة مركز قيادة المجاهدين في حي البارودية وطوقته, ثم هبّت بعض المجموعات لكسر الطوق عن القيادة, وهبّت السلطة لنجدة نفسها وانفجرت الأوضاع , ومباشرة بدأت السلطة عبر اللواء 47 (المتمركز جانب حماه دائماً لحماية السلطة) بقصف جميع مآذن المساجد الساعة الثامنة والنصف صباحاً كأول إجراء عسكري ضمن إحداثيات مدروسة مسبقا على مايبدوا, وسيطر المجاهدون (كما كان يسميهم أهل حماة) على المدينة ولم يعلنوا إمارة إسلامية كما يدعي الكاذبون من أزلام النظام, بل أعلنوا إسقاط حكم الفساد الديكتاتوري السلطوي الطائفي الأمني الأسدي وهذه هي فقط كانت شعارات كل من كان ضد النظام وقتها. وتصدى المجاهدون لعملية شق المدينة نصفين باللواء 47 لترتع عناصر الجيوش الطائفية في الشوارع والأزقة التي توهتهم فاستعملوا الحبال الطويلة كما في نزلة سوق الشجرة. وكانت الجيوش كلها في الجريمة (سرايا الدفاع وسرايا الصراع والوحدات الخاصة وفتيان علي ـ التركية من إسكندرونة ـ وقد نشرت هوية مقتول من الفتيان في مجلة النذير) وبدأ القتل العشوائي بلا عقل ولا رحمة ولا اعتبار لأخوة الوطن, وقتل الجميع عدا المشايخ بدون طلب هوية أو بمعرفة اسم المستهدفين وبجميع الأسلحة وبمعدل يومي مدروس, (فقد وجه جندي من الوحدات البندقية لقتل شاب قرب حي العصيدة وجاءه الاتصال اللاسلكي للجندي وقتها بأن القتل قد بلغ حده المطلوب اليوم فقال للحموي روح حظك كبير)ويبدو أنه كان بمعدل حوالي ألف إلى ألفين يومياً, (وهي 1500 يومياً على قول رفعت أسد) وكان حافظ الأسد على علم بالقتل, فحين قتل صفوان فخري وأخيه في حي سوق الشجرة في اليوم الثالث للغزو ذهب قريبهم العميد وليد حمدون عضو القيادة القطرية وأبلغ حافظ الأسد بأن القتل عشوائي ولا يميز فأظهر حافظ مفاجأته الكاذبة (كابنه بشار) لكن القتل استمر رغم علم الرئيس, وبالأحرى لقد بدأ واستمر بإدارة الرئيس نفسه وبطولة أخيه المجرم رفعت (يروي عبد المسيح ليّون من منطقة وادي النصارى أنه اجتمع مع رفعت الأسد قبل المجزرة بأيام وأنه حدّثه بما سيفعل في حماه وقال عبد المسيح: لقد نفذ بالفعل تماماً كل ما قاله) ومما يثبت مسؤولية حافظ الأسد أن الجيوش العسكرية الطائفية وكذالك الجيش النظامي ترتبط به مباشرة ولا تلتقي إلا عنده. وفي الخارج دُعي الإخوان للنفير الطارئ وحضر بين ألف وألفي متطوع عبر الأردن للعراق براً (لعدم وجود طيران عراقي مدني مباشر) وبدأت إعادة التدريب للياقه, كما اشتروا عدداً كبيراً من سيارات الجيمس من الكويت بمساعدة أبو بدر المطوع (مسؤول الإخوان في الكويت) وجماعته لتحمل المقاتلين للداخل وعلى أن يتوجّه الإسلاميون (الإخوان وغيرهم من الجبهة الإسلامية) إلى المناطق الشرقية ويتجه البعثيون لحلب ولمركز الإذاعة فيها, وما أدري عددهم إلا أني أحسبهم لا يتعدوا 300 شخص وليس لهم في الداخل قواعد مثل الإخوان (وكانوا لاجئين سياسيين في العراق ولهم التكريم المفضل عند السلطة), فهل كانوا سيقاتلون فعلاً! أم هم بعثيون سوريون كما نعرفهم في الجولان!) وبسبب الوقت الذي استغرقه وصول العناصر الإسلامية السورية المتحمسة لتحرير بلادها من كل دول العالم والإعداد والتدريب (وبالإضافة لعدم توفر الاتصال الهاتفي الذي قطعته الحكومة عن حماه أو حتى بديل عنه من أجهزه لاسلكي) فلم يكن من الممكن نزول المتطوعين الذين جمعهم النفير لعدم توفر وضوح الرؤية, وبالفعل فقد فقدَ المجاهدون السيطرة على البلد خلال فترة التجمع والإعداد, وكان القتل مذهلاً لذا كان نزول المتطوعين مغامرة ستؤدي للمزيد من الخسائر في معركة مجهولة ولحظة صفر حددها النظام, وكان القهر والحماس والتوتر والحيرة والقلق هم أسياد الموقف ولذا تقرر فضّ النفير بعد وصول معلومات جمعتها أنا من السائقين.., (ويبدوا أن حكومة العراق لم تكن مستعدة كذالك لتغطية المقاتلين بالطيران والدخول في حرب بينما حربها مستمرة مع إيران, واقترحت قصف القوات المطوقة للمدينة بالهاون). وقد تبين أن أمريكا كانت تراقب الوضع بالأقمار الصناعية لكن وجود النظام كان أفضل من أي أحد آخر. ورجع المتطوعين للعمل بدولهم بالخارج وهم في قهر شديد. ولا بد أن أشير هنا إلى أن عدم وجود معاصي لحرب العصابات كان له الأثر الأكبر على مسار الصراع, وكان الشيخ مروان حديد يعلم أن الاغتيالات وحدها لا تسقط النظام, لكن العناصر المقاتلة تبدأ بالانضمام بأعداد كبيره من خلال العمل الثوري, لتتسع وتشكل مجموعات كبيره تثبت بالشارع وتستميل الجيش لينضم بدباباته وطيرانه ليكونان قوة مشتركة. بل وعندما بدأ الإخوان مناقشات التسلح وكلفوا الأخ القائد المقتدر والشجاع عمر مرقة رجوته بأن يبدأ بتنظيم كبير يهز سورية فقال هذه هي خطتنا وهي البدء بـ(10000)مقاتل, وكانت قوة الاستخبارات وبطشها تعيق الخطط النظرية المرسومة للطليعة والإخوان. وأعتذر لتكرار القول والتفريق بين الطليعة والإخوان خلال كتابتي فعناصر الطليعة هم بالأصل عناصر إخوانية آمنت بالكفاح المسلح مبكراً وانضمت فردياً وسراً وبدون إذن تنظيم الإخوان. ولإظهار التداخل بين الإخوان والطليعة فقد أرسل لي الأخ الشهيد عبد القادر فاعور (قبل إعدامه) من الزنزانة التي أوقف بها في سجن المزة رسالة مع الأخ خلدون مرقه قبل اعتذاراً لأنه كان منظماً عندي في حلقة أديرها, وكان في الوقت نفسه في تنظيم الطليعة,كما وكنت في رفقة الشيخ القائد الشيخ مروان حديد خلال تواريه في دمشق مدة سنتين مع أني مختلف معه في طريق العلاج للواقع كما سترى في مقالاتي عنه.
-------------------------------------- تابع:
انتفاضة الثمنينات ومجزرة حماه( 1) الأسباب انتفاضة الثمانينات ومجزرة حماه(3) ماخلفته المجزرة
غازي التوبة
محمد حمادة
عروب عبد العزيز
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة