محمد حسن عدلان
تصدير المادة
المشاهدات : 4016
شـــــارك المادة
ما ندامة الكسعي بأشد من ندامتي ،الكسعي كسر قوسه بعدما ظن بها السوء والرداءة ، وعند زوال الظلام اكتشف أنه صاد بها ثلاثة غزلان ولم يدر، أما أنا فإليكم حكايتي .
كان مساء الخميس ،عاد ولدي بسام من السهرة مرحا ، عندما حيّاني شممت رائحة التدخين منه، ولا أدري كيف ولأول مرة ضربته ،حولت مرحه إلى بكاء، أخذ يدي يقبلها ويطلب السماح : لن أعيدها سامحني يا أبي. ولدي الغالي يطلب مني ـ أنا الظالم ـ السماح ....ما أتعسني . أضربه بيدي الحقيرة ويقبلها بشفتيه النبيلتين. ليتها شلت يدي. في اليوم التالي تعمدت إظهار الشدة ـ أنا المجرم ـ فبعد صلاة الجمعة، خرجت من المسجد من الباب الجانبي دون انتظار بسام ، كانت العادة إرغامه على مرافقتي دون مشاكل ، حيث كانت هناك جلبة وتكبير وتظاهر على الباب الأول . وصلت المنزل وبدأت أسمع أصوات الرصاص ، وبدأت أمه تبكي وتلومني ، طال انتظاري ولم أستطع الخروج فعناصر الأمن الكريهة تملأ الشارع . وبدأ قلبي يغلي ،كنت أدعو ربي أن يعود ولن أعاتبه على التأخير أو أفحص فمه من رائحة التدخين أبدا . أخيرا وبعد هدوء نسبي، قرع الباب فأسرعت، كان صديقه يلهث قائلا : أسرع للمشفى فإنهم يرفضون إسعاف بسام إذا لم توقع بأن عصابات مسلحة أصابته . لا أدري كيف وصلت ، وجدت عناصر الأمن يتضاحكون وولدي يسبح بدمائه . قمت بالتوقيع بسرعة ، وأدخلت ولدي للإسعاف ، وهو يردد سامحني بابا لن أعيدها، وأنا أقول الله يرضى عليك. كانت إصابة جانبية ولكن دمه قد نزف حتى النهاية . أخرجوه ببرود مغمض العينين ، عندما ذرفت الدموع على خدي بسام وأنا أودعه الوداع الأخير شممت رائحة زكية...... إنها رائحة سجاير من فلذة كبدي ، ولكنه بر بوعده فلم يعدها لقد استشهد. والآن أبحث عن أصدقائه لأقبلهم , وأشم رائحة الدخان من فمهم إنها تذكرني بولدي بسام ، ما أذكى رائحة الدخان تنبعث من أفواههم ، ليتك تعيدها وأشم رائحة دخانك يا بسام. كانت ندامة الكسعي على قوس أما ندامتي فعلى ولدي. ها قد مرت الذكرى الأولى لاستشهاد بسام وما زلت كلما حان المساء وفي ميعاد عودة بسام ، أنزوي جانبا وأنا أذرف دما بعدما نضبت الدموع ، وأردد : ليتها شلت يدي.
سماح هدايا
عبد الرحمن العشماوي
جميع المقالات تعبر عن رأي كاتبيها ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
برأيك، هل ستحقق العملية التركية -شرق الفرات- أيّ مكاسب للسوريين؟
نعم
لا
عمر حذيفة
لبيب النحاس
مؤسسة الموصل
أسرة التحرير
محمد العبدة